ويقسم الباقي بين الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأنه استثنى الغلة من الفقراء وجعلها لولده والاستثناء صحيح، أما ما يجعل للولد غير صحيح؛ لأنه لا وصية للوارث إلا بإجازة باقي الورثة، فكان استحقاق الغلة في حقهم بحكم الإرث، فتكون القسمة على سهام الميراث، وهذا إذا كان له أولاد لصلبه ولم يكن معهم أولاد، فإن كان معهم أولاد الأولاد، والباقي (١٨أ٣) بحاله، فإنه يقسم الغلة على عدد رؤوس أولاد الصلب وعلى عدد رؤوس أولاد الأولاد، فما أصاب أولاده لصلبه من ذلك قسم بين ورثته على فرائض الله تعالى نحو ما بينا، وما أصاب أولاد الأولاد يقسم بينهم بالسوية؛ لأنه صح جعله لولد الولد؛ لأن الوصية لهم صحيحة، فيستحقون نصيبهم بحكم الوقف وفي الوقف لا تفضيل للبعض على البعض، فاذا انقرض أولاد الصلب قسمت الغلة على أولاد أولاده ونسله ولا يكون لزوجه ولا لأبويه من ذلك؛ لأنهم يستحقون بحكم الوصية والوقف لا بحكم الإرث، وإن كانت هذه الأرض لا يخرج من الثلث، فإن أجازت الورثة جاز وتكون الغلة بينهم بالسوية لا يفضل الذكر على الأنثى؛ لأن في هذه الصورة صح جعل الوقف للأولاد؛ لأن الوصية للوارث صحيحة إذا أجاز باقي الورثة ذلك فيستحقون الغلة في هذه الصورة بحكم الوقف، فيكون بينهم بالسوية؛ لأنه لا تفضيل في الوقف، ولا يكون للأبوين والزوجة من ذلك شيء؛ لأن الوصية وقعت للأولاد لا غير، وإن لم يجيزوا الوقف جاز الوقف من الثلث وصار ثلث الرقبة وقفاً للفقراء، وتقسم الغلة بين جملة الورثة على فرائض الله؛ لأن جعل الغلة للأولاد لم يصح لما لم يجز الورثة
الوقف، أما استثناء الغلة من الفقراء قد صح، فتقسم الغلة بحكم الميراث فتقسم على سهام الميراث، وهذا الذي ذكرنا قول هلال والقاضي أبي بكر الخصاف والفقيه أبي بكر الاعمش والفقيه أبي بكر الإسكاف. وقال محمد بن سلمة ونصير بن يحيى رحمهما الله: إذا لم يُجْيزوا الوقف كانت الغلة للفقراء. ووجه ذلك: أن الأرض صارت وقفا للفقراء، والغلة تبع للأرض إلا أنه آثر بالغلة ولم يصح الإيثار لعدم الإجازة، فصار وجود هذا الإيثار والعدم بمنزلة فيكون للفقراء.
وقال علي بن أحمد الفارسي وأبو نصر بن محمد بن سلام رحمهما الله الغلة تكون للفقراء وإن أجازت الورثة الوقف؛ لأن إجازة الورثة إنما يعمل في إبطال حقهم لا في إبطال حق الفقراء وقد صارت الغلة حقاً للفقراء تبعاً للأرض، فلا يعمل إجازتهم في حقهم، ألا ترى أنه لو عدمت الإجازة كانت الغلة للفقراء، فلا يبطل حقهم بإجازة الورثة، ألا ترى أن حق الموصى له لا تبطل بإجازة الورثة حتى إن من أوصى بثلث ماله وأوصى لوارثه مع ذلك وأجازت الورثة لا يعمل إجازتهم في حق الموصي لها بالثلث، فكذا في حق الفقراء.
قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله إذا أجازوا ينبغي أن يكون ثلث الغلة للفقراء والثلثان للأولاد؛ لأن قدر الثلث حق للفقراء تبعاً للأرض في حق الورثة، والإجازة فيما وراء الثلث لاقت حق الورثة لاحق الفقراء فتعمل إجازتهم فيه، ويكون ذلك للأولاد.