للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا وطهارة المستحاضة ثابتة مع قيام المنافي، وهو السيلان، لضرورة وهي الحاجة إلى الطهارة، ولإسقاط ما في الذمة من الصلاة المفروضة بالأداء إذ لا أداء إلا بالطهارة، فثبتت الطهارة، وكلما مست الضرورة إلى الثبوت مست الضرورة إلى البقاء إذ لا أداء إلا بالبقاء، كما لا أداء إلا بالثبوت.

بعد هذا اختلف العلماء في تقدير هذه الطهارة، فالشافعي رحمه الله قدرها بالأداء حتى قال: المستحاضة تتوضأ لكل صلاة مكتوبة، وتصلي بوضوئها ما شاءت من النوافل؛ لأن ثبوت طهارتها ضرورة الحاجة إلى أداء المفروضة وإذا أدى المفروضة في وقتها فقد ارتفعت الضرورة إذ المشروع في وقت فرض واحد على ما على الأصل.

ولا يجوز بقاء ما ثبت بالضرورة بعد ارتفاع الضرورة، وإليه أشار علماؤهم في قوله: المستحاضة تتوضأ لكل صلاة إلا أن النوافل تابعة للفرائض، فتثبت الطهارة في حق النوافل بطريق التبعية، أما فرض آخر فليس بتبع لهذا الفرض فثبوت الطهارة في حق فرض الوقت لا يوجب ثبوت الطهارة في حق فرض آخر (٤ب١) .

وعلماؤنا رحمهم الله قدروا البقاء بالوقت حتى قالوا المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة، وتصلي بوضوئها ما شاءت من النوافل والفرائض في الوقت؛ لأن الفرض معرفة مقدار البقاء، وذلك إنما يحصل بتقديره بما هو معلوم في نفسه، وفعل الأداء يتفاوت بتفاوت الناس، فقدرناه بالوقت لكونه معلوماً في نفسه بالتفاوت، فيصير مقدار بقاء الطهارة معلوماً، ولأن ثبوت الطهارة وإن كان ضرورة الحاجة إلا أن الوقت قائم مقام الحاجة؛ لأن لها حق التنفل كل الوقت بالأداء إلا أن الشرع رخص لها صرف بعض الأزمان إلى حاجة نفسها تيسراً عليها، وشرع اليسر بطريق الرخصة لا يوجب بطلان اليسر المتعلق بالعزيمة واليسر المتعلق بالعزيمة بقاء الطهارة ما بقي الوقت، وإليه أشار عليه السلام في قوله: «المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة» وما روي محمول على الوقت، فإن اسم الصلاة يحتمل الوقت قال عليه السلام: «إن للصلاة أولاً وآخراً» أي لوقت الصلاة أولاً وآخراً، فوجب العمل على الوقت توفيقاً بين الروايتين، وإذا تقدر بقاء الطهارة بالوقت كان لها أن تصلي في الوقت ما شاءت.

ثم إذا خرج الوقت في الصلوات التي اتصلت أوقاتها لانعدام الوقت المهمل بين أوقاتها وثبت انتقاض الطهارة تضاف بالانتقاض إلى خروج الوقت، أو إلى دخول وقت آخر، وقال عامة المشايخ: إن على قول أبي حنيفة ومحمد تضاف إلى خروج الوقت. وعند زفر تضاف إلى دخول وقت آخر. وعند أبي يوسف تضاف إلى أيهما وجد.

وثمرة الخلاف لا تظهر في هذه الصلوات التي اتصلت أوقاتها؛ لأن ما من وقت يخرج إلا ويدخل وقت آخر وما من وقت يدخل إلا ويخرج وقت آخر، وإنما تظهر في

<<  <  ج: ص:  >  >>