والفرق: أن البناء ليس بمزيل للملك لو زال الملك، وإنما يزول إذا تعين فيه جهة القربة مطلقاً وهذا الفعل ليس بقربة مطلقاً، خرج على هذا المسلم إذا اتخذ داره مسجداً؛ لأن ذلك قربة مطلقاً، فأما الوصية فمزيلة للملك فلا يشترط جهة القربة فيها مطلقاً للإزالة، بل يكتفي فيها بجهة القربة بناء على زعمهم واعتقادهم.
قال الخصاف: إذا جعل الذمي داره مسجداً للمسلمين وبناه كما يبتني المسلم وأذن للمسلمين بالصلاة فيه وصلوا فيه ثم مات؛ يصير ميراثاً لورثته، وهذا على قول الكل؛ لأنه معصية عندهم ألا ترى أنه لو أوصى أن يبني داره مسجداً بعد موته كانت الوصية باطلة، ولو أوصى أن يبني داره مسجداً لقوم بأعيانهم قال الخصاف: أستحسن أن هذا لا هذه وصية لقوم بأعيانهم. قال: ولو وقف الذمي داره على بيعة أو كنيسة أو بيت نار فهو باطل، أما على قول أبي حنيفة؛ فلأنه لم توجد الوصية أو الإضافة إلى ما بعد الموت، ولو قال: يجري غلتها على بيعة كذا فإن خربت هذه البيعة كانت الغلة للفقراء وللمساكين، ولا ينفق على البيعة شيء، قال: فإن وقف ذمي أرضا وقفاً صحيحاً وأن يفرق غلتها في أبواب البر فأبواب البر عندهم عمارة البيع والكنائس والصدقة على المساكين، وإنما يفرق غلة هذه الصدقة على الفقراء والمساكين، وأبطل ما سوى ذلك.
وإن قال: تفرق عليها في جيران مسلمين وجيران نصارى ويهود ومجوس، وجعل آخره للفقراء فالوقف جائز ويفرق الوقف في جيرانه المسلمين والنصارى وغيرهم، وإن قال الذمي: يجعل غلتها في أكفان الموتى أو في حفر القبور فهو جائز ويصرف الغلة في أكفان موتاهم وحفر قبور فقرائهم. قال: وسبيل الذمي في الوقف على قرابته وأهل بيته كسبيل المسلمين، وإن قال الذمي: أجعل غلة هذه الصدقة في سراج بيت المقدس وثمنها فهو جائز؛ لأنه قربة عندنا وعندهم.
وإذا وقف نصراني وقفاً على ولده وولد ولده أبداً ما تناسلوا ومن بعدهم على المساكين، وشرط أن كل من أسلم من ولده أو ولد ولده أبداً ما تناسلوا فهو خارج عن هذا الوقف فهو جائز وهو على ما شرط والله أعلم.
نوع منه: إذا ارتد المسلم ثم وقف وقفاً في حال ردته، فإن مات أو قتل على ردته أو لحق بدار الحرب وحكم القاضي بلحاقه يبطل وقفه وتكون الأرض ميراثاً. والمحفوظ عن أبي يوسف فيما إذا اشترى شيئاً أو باع أو آجر أو عامل في ماله بشيء أنه جائز، ولم يرو عنه فيما يتقرب (به) إلى الله تعالى، وعلى قول محمد: يجوز منه ما يجوز من القوم الذين انتقل إليهم، وأما إذا وقف وقفاً صحيحاً وجعل أجرته للمساكين ثم ارتد الواقف بعد ذلك فقتل على ردته، أو مات بطل الوقف ويصير ميراثاً لورثته من قبل أن عمله قد حبط، فإن رجع إلى الإسلام؛ فإن وقف بعد ما رجع جاز، وإن لم يفعل لم يجز ذلك.
نوع منه: ذمي في يديه أرض أقر في صحته أن هذه الأرض وقفها رجل مسلم وكان يملكها وقفاً صحيحاً على أبواب البر وبناء المسجد أو ما أشبهه ذلك مما يتقرب به المسلمون إلى الله تعالى فإقراره جائز، وكذلك إن أقرَّ به في مرضه وهذه الأرض يخرج