على رواية «كتاب الشفعة» ووجهه: أن الوقف إيجاب حق العباد فصار نظير المبيع والهبة، ثم قيام حق البائع لا يمنع نفاذ البيع والهبة حتى إن المشتري (اشترى) شراءً فاسداً إذا وهب أو باع يجوز ولا ينقض بعد ذلك، فكذا بخلاف المسجد؛ لأن المسجد ما يكون لله تعالى خالصاً وقيام حق البائع الخلوص لله تعالى.
قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله: ولقائل أن يفرق بين الوقف على الفقراء وبين الوقف على أقوام بأعيانهم ويقول: إذا وقف على الفقراء كان في صيرورته وقفاً قبل البناء باتفاق الروايات؛ لأن الوقف على الفقراء يطلب منه وجه الله تعالى (٢٨ب٣) لا إيجاب بالحق للعباد فأشبه المسجد، بخلاف الوقف على قوم بأعيانهم؛ لأنه إيجاب الحق للمعين فصار نظير البيع والهبة، ولو اشترى أرضاً شراء صحيحاً وقبضها ووقفها على الفقراء ثم وجد بها عيباً لا يردها ولكن يرجع بنقصان العيب، بخلاف ما إذا اشترى أرضاً واتخذها مسجداً ثم وجد بها عيباً فإنه لا يرجع بنقصان العيب، وجعل المسجد نظير البيع والوقف نظير العتق، وإذا رجع بنقصان العيب كان النقصان له يصنع به ما شاء؛ لأنه ليس ببدل عن الوقف؛ لأن الفائت بالعيب لم يدخل تحت الوقف، فسلم المشتري من آخر أرضاً بعبد وتقابضا ووقف الأرض ثم استحق العبد فالوقف جائز وعلى مشتري الأرض قيمة الأرض يوم قبضها، وإنما جاز الوقف؛ لأن الأرض بدل المستحق، وبدل المستحق مملوك ملكاً فاسداً فيصح وقفه لما مر، وبمثله لو وجد العبد حر أبطل الوقف؛ لأن بدل الحر ليس بمملوك فلا يصح وقفه.
وإذا اشترى أرضاً من رجل ووقفها على المساكين بعد ما قبضها ثم استحقها رجل وأجاز البيع فالبيع جائز والوقف باطل. قيل: هذا على قول من يقول: بأن المشتري من الغاصب إذا أعتق ثم أجاز المالك البيع أن العتق لا ينفذ، وهو قول محمد وزفر وهلال، فأما على قول أبي حنيفة وأبي يوسف: ينبغي أن ينفذ الوقف كما ينفذ العتق قبل أيضاً، ويجوز أن يفرق بين العتق والوقف فيقال: العتق من حقوق الملك وأحكامه، بدليل أنه يؤكد الملك ويقرره حتى جعل قبضا، والقبض يؤكد الملك فجاز أن يتوقف بتوقفه وينفذ بنفوذه بخلاف الوقف.
قال: ولو أن المستحق ضمن الغاصب وهو البائع القيمة نفذ الوقف كما ينفذ العتق بلا خلاف؛ لأنه ملك بالضمان من وقت الغصب السابق فينفذ بيعه؛ لأنه باع ملكه، وينفذ وقف المشتري كما ينفذ عتقه، قيل: غاصب الدور والعقار لا يضمن عند أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر، فكيف يستقيم هذا التفريع على قولهما؟، وقيل: إن ضمن المشتري القيمة أينقص الوقف كما ينقص العتق لأن الملك حصل له بالضمان، والوقف كان قبل ذلك بهذا الطريق لم ينفذ العتق، وذكر الخصاف في «وقفه» : إذا وقف بيتاً من دار فإن وقفه بطريقه جاز الوقف، وإن لم يقفه بطريقه لم يجز الوقف؛ لأنا إن آجرنا الوقف ماذا يصنع به إذا كان لا يمكن أن يكري ولا يسكن؛ لأنه لا طريق له، وإذا شرط في وقفه أنه ليس لوالي هذه الصدقة أن يؤاجر هذا الوقف لأشياء منه، وإن أجرها واليها أو واحد أن تصير