للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحد يشبه فعل أهل الجفاء، وفي الثوب الذي يتشح به أبعد من الجفاء وفي قميص وإزار خلاف الناس تحملهم وذكر ابن شجاع أنه إذا كان محلول الإزار، وكان إذا نظر رأى عورة نفسه من زيقه لم تجز صلاته. وهكذا ذكر هشام في «نوادره» ، والمذكور في «نوادر هشام» ، إذا صلى في قميص واحد وهو محلول الجيب فانفتح جيبه حتى لو نظر رأى عورة نفسه فصلاته فاسدة، وزاد فقال: وإن لم ينظر وإن كان مدلوق الثوب بصدره، فلم ير عورته لو نظر إليها لا تفسد صلاته، فعلى هذه الرواية جعل ستر العورة من نفسه شرطاً.

حتى فرق بعض أصحابنا على هذه الرواية بين أن يكون المصلي خفيف اللحية وبين أن يكون كث اللحية فقال إذا كان المصلي كث اللحية تجوز صلاته، لأن لحيته سترت عورته، وقال بعضهم لا تجوز صلاته ولا تنفعه لحيته ذكر الزندوستي هذا القول في «نظمه» ، وعامة أصحابنا جعلا الشرط ستر العورة من غيره لا من نفسه؛ لأن العورة لا تكون عورة في حق صاحبها إنما تكون عورة في حق غيره.

ألا ترى أنه يجوز لصاحب العورة مسَّها والنظر إليها، وروى ابن شجاع عن أبي حنيفة وأبي يوسف أيضاً أنه إذا كان محلول الجيب، فنظر إلى عورته لا تفسد صلاته، وإن كان عليه قميص لبس غيره، فكان إذا سجد لا يرى أحد عورته، ولكن لو نظر إنسان من تحته رأى عورته فهذا ليس بشيء.

وأما المرأة يلزمها أن تستر نفسها من فرقها إلى قدميها ولا يلزمها ستر الوجه والكفين بلا خلاف، وفي القدمين اختلاف المشايخ واختلاف الروايات عن أصحابنا رحمهم الله، وكان الفقيه أبو جعفر يتردد في هذا فيقول مرة؛ إن قدميها عورة، ويقول مرة: إن قدميها ليس بعورة، فمن يجعلها عورة يقول يلزمها سترها ومن لا يجعلها عورة يقول: لا يلزمها سترها، والأصح أنه ليس بعورة، وهي مسألة كتاب الاستحسان آنفاً.

وفي «الجامع الصغير» : امرأة صلت وربع ساقها أو ثلث ساقها مكشوفة لم تجز صلاتها، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: إن كان المكشوف أكثر من النصف لم تجز صلاتها، وإن كان أقل من النصف جازت صلاتها، وفي النصف عنه روايتان، يجب أن تعلم أن قليل الانكشاف عفو؛ لأن الناس فيه بلوى وضرورة؛ لأن ثيابهم لا تخلو عن قليل خرق، فيجعل عفواً بالإجماع فلا بلوى في الكثير؛ لأن الثياب تخلو عن كثير خرق، فلا يجعل عفواً بعد هذا.

قال أبو حنيفة ومحمد: الربع وما فوقه كثير، وما دون الربع قليل، وقال أبو يوسف: ما فوق النصف كثير وما دونه قليل، وفي النصف عنه روايتان، والصحيح قولهما؛ لأن ربع الشيء أقيم مقام الكل في كثير من الأحكام كمسح ربع الرأس في الوضوء، وكحلق ربع الرأس في حق المحرم.

قال في «الجامع الصغير» : وكذلك حكم البطن والظهر والفخذ والشعر نظير حكم الساق، قال بعض مشايخنا: لولا هذه الرواية لكنا نقول بأن حكم الظهر والبطن أغلظ، ألا ترى أنه لا يحل للرجل بأن ينظر إلى بطن أمه وظهرها، ويحل له أن ينظر إلى ساقها،

<<  <  ج: ص:  >  >>