البيع بظاهره غير صحيح، وينبغي أن لا ينقض البيع ههنا إلا أن يختار المشتري النقض.
فكان تأويل قول محمد: انتقض إذا اختار المشتري النقض، وبعضهم قالوا: قول محمد بظاهره صحيح، وينتقض البيع من غير اختيار المشتري النقض؛ لأن الغاصب هي ضمن القيمة بملك المغصوب من وقت الغصب، وبيع المولى كان بعد ذلك، فيظهر أنه كان بائعاً مال الغير، وهو الغاصب بخلاف ما لو قبل بعد البيع أو غصب؛ لأن القيمة هناك وجبت بعد البيع، فمتى بقي البيع لا يؤدي إلى أن يصير بائعاً مال الغير.
وفي «نوادر بشر» : قال: سألت محمداً عمن اشترى المغصوب منه، وهو في يد الغاصب، والغاصب جاحد له، قال: يجوز، ويقوم المشتري في دعواه ذلك مقام المالك قال: وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله.
وذكر ابن سماعة في «نوادره» عن أبي يوسف: أنه قال: قال أبو حنيفة: لا يجوز بيعه من غير الغاصب، وقلت أنا: هو جائز.
وروى بشر عن أبي يوسف في رجل غصب من آخر طعاماً وتصدق به، وكان قائماً في يد المساكين حتى اشتراه الغاصب من المغصوب منه جاز شراؤه ويرجع في صدقته، ولا يجزئه عن كفارة يمينه، وإن استهلك المساكين الطعام بعد الشراء ضمنوا، ولو لم يشتر وضمن قيمته جازت صدقته وأجزأت عنه ولم يرجع فيها، ولو كان الطعام مستهلكاً حال ما اشتراه الغاصب من المغصوب منه في أيدي المساكين، فالشراء باطل إلا أن يقول: أشتري منك ما لك علي من الطعام، فيجوز الشراء وجازت الصدقة للمساكين.
قال محمد في «الجامع» : رجل غصب من آخر عبداً، ثم أن الغاصب أمر رجلاً حتى يشتريه له من مولاه، فاشترى صح الشراء، وصار الآمر قابضاً له بنفس الشراء؛ لأنه في يده مضمون بضمان نفسه، ومثل هذا القبض ينوب عن قبض الشراء، فكأن الآمر جدد القبض، أكثر ما في الباب أن حق القبض للوكيل لا للموكل، ولكن هذا لا يمنع صحة قبض الموكل، بالبيع ليس له حق قبض الثمن من المشتري مع هذا لو قبض صح كذا ههنا.
وكذلك لو أمر رجل أجنبي الغاصب أن يشتريه له، ففعل صح، وصار الآمر قابضاً بنفس الشراء؛ لأنه وجد في حق المأمور، وهو الغاصب قبض ينوب هو عن قبض الشراء، فصار هو قابضاً، وقبض المأمور بمنزلة قبض الآمر، فصار الآمر قابضاً من هذا الوجه.
قال في «الجامع» أيضاً: رجل غصب من آخر جارية، وغصب رجل من رب الجارية عبداً، وتبايعا العبد بالجارية وتقابضا، ثم بلغ المالك ذلك فأجازه كان باطلاً؛ لأن الإجازة إنما تعمل في العقد الموقوف لا في العقد الباطل، وهذا العقد وقع باطلاً؛ لأن البيع تمليك بتملك، وذلك لا يكون في بيع مال الرجل بماله.
توضحه: أن الإجارة في الانتهاء بمنزلة الإذن في الابتداء، ولو أذن المالك لهما في الابتداء بذلك لا ينفذ، فإذا فعلا بغير إذنه لا يتوقف أيضاً، ولو كان مالكهما رجلين فبلغهما، وأجازا كان جائزاً، وصارت الجارية لغاصب الغلام، والغلام لغاصب الجارية،