وهذا كله إذا لم يقض القاضي على المشتري بالقيمة، فإن كان قد قضى عليه بالقيمة لا يكون للبائع حق الاسترداد في الوجوه كلها؛ لأن القاضي أبطل حق البائع عن العين ونقله إلى القيمة بسبب أطلق له ذلك فلا يعود حقه إلى العين بعد ذلك، وإن ارتفع السبب كما لو قضى القاضي على الغاصب بقيمة المغصوب بسبب الإباق، ثم عاد العبد من الإباق لا يعود حق المالك إلى العبد كذا ههنا.
ولو زاد المشترى في يد المشتري لا يمتنع الفسخ في الأحوال كلها إلا إذا (٦٦ب٣) كانت بزيادة من جهة المشتري بأن كان المشترى ثوباً فصبغه المشتري بصبغ يريد به قيمة فيه، أو كان سويقاً فلته بسمن أو عسل فحينئذٍ يمتنع الفسخ بحق المشتري حتى لو رضي المشتري بالفسخ واسترداد المشترى مع الزيادة كان للبائع حق الاسترداد وإذا لم ينقص المشترى في يد المشتري بفعل نفسه أو بآفة سماوية أو يفعل المشتري والبائع مع أرش النقصان وليس له أن يترك المبيع على المشتري ويضمنه تمام القيمة إزالة للفساد، وإن كان النقصان بفعل أجنبي، فللبائع أن يأخذ الأرش من المشتري إن شاء أخذه من الجاني؛ لأنه وجده في حق كل واحد منهما بسبب ضمان النقصان في حق المشتري القبض؛ لأن المقبوض بحكم العقد الفاسد مضمون بالقبض، والأوصاف تضمن بالقبض، وفي حق الجاني الخيانة فكان للبائع الخيار وصار كما لو انتقص المغصوب في يد الغاصب بفعل أجنبي كان للمالك في أخذ الأرش الخيار لما ذكرنا كذلك ههنا.
ولو قتل أجنبي المبيع في يد المشتري، فللبائع أن يضمن المشتري وليس له أن يضمن القاتل، فرق بين ضمان القتل وبين ضمان النقصان.
والفرق: إن ما وجب على القاتل بالقتل بدل ملك المشتري؛ لأن الجارية قتلت على ملك المشتري فلا يكون للبائع عليه سبيل إلا بعد فسخ البيع في المبيع، وتعذر فسخ العقد في المبيع بسبب الهلاك بخلاف ضمان النقصان؛ لأن هناك العقد انفسخ فيما بقي من المبيع بالاسترداد فيصير الفسخ في حق الجزء الفائت حكماً لانفساخ البيع في الأصل، وإذا اعتبر البيع منفسخاً في حق الجزء الفائت بدلاً عن ملك البائع، فكان للبائع حق الأخذ من الجاني فلهذا افترقا.
وبما ذكر من المعنى ظهرت التفرقة بين المشتري شراءً فاسداً وبين المغصوب، فإن المغصوب إذا قتل في يد الغاصب كان للمالك أن يضمن القاتل إن شاء؛ لأن ما وجب على القاتل بقتل المغصوب بدل ملك المالك؛ لأن المغصوب باقي على حكم ملك المالك فكان للمالك أن يأخذ ذلك من القاتل، ولا كذلك المشتري شراءً فاسداً على ما بينا قد ذكرنا أن البيع الفاسد يستحق النقض والفسخ إعداماً للفساد وإزالة للحرام.
قال القدوري في «كتابه» وأيهما فسخ البيع قبل القبض ففسخه جائز على صاحبه، إذا كان بمحضر من صاحبه أي بعلم صاحبه؛ لأن الفسخ يستحق بحق الشرع، فانتقى اللزوم عن العقد فكان بمنزلة البيع الذي فيه الخيار للمتعاقدين فيكون كل واحد منهما تسييل من فسخه بغير رضى الآخر لكنه توقف على علم الآخر؛ لأنه إلزام موجب للفسخ فلا يلزمه إلا بعمله.