للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه ماذكر في بيوع «الأصل» : أن العمل بالأمرين جميعاً متعذر؛ لأن العقد الواحد لا يجوز أن يكون مفسوخاً كله وغير مفسوخ فلا بد من إثبات أحدهما وإلغاء الآخر، فنقول: إثبات تصرف المشتري وإلغاء تصرف الوكيل أولى؛ لأن تصرف المشتري أصل؛ لأنه يتصرف بحكم الملك، وتصرف الوكيل بناء عليه فيكون كالبيع له، ولا شك أن إلغاء المبيع واعتبار الأصل أولى وجه ما ذكر في «المأذون» : أن العمل بهما لما تعذر ووجب العمل بأحدهما كان العمل بالفسخ أولى لوجهين:

أحدهما: وهو أن الاحتياط فيه، فإن الفسخ يوجب الحرمة على المشتري، والإجازة توجب الإباحة، فإذا اجتمعا رجحنا المحرم على المبيح.

فإن قيل: هذا اعتبار جانب المشتري وإنه يوجب أن يكون الفسخ أولى فاعتبار جانب البائع يوجب أن تكون الإجازة أولى؛ لأن الإجازة تثبت حرمة في حقه، والفسخ يثبت إباحة في حقه، فيجب أن تكون الإجازة أولى باعتبار جانب البائع فلم يصر المشتري بهذا الاحتياط أولى (٨٦ب٣) من البائع والجواب عنه أن مراعاة الاحتياط من كلا الجانبين متعذر، فلا بد من مراعاة أحد الجانبين فكان مراعاة جانب المشتري أولى، لأنا نحتاج في جانبه الى إثبات الحل ابتداء؛ لأنه لم يكن ثابتاً له، وفي جانب البائع نحتاج إلى إبقاء الحل؛ لأن الحل كان ثابتاً له وبالفسخ يعود إليه قديم ملكه ويحل له قديم ملكه فيكون إبقاءً باعتبار قديم الملك لا إثباتاً مبتدأ، وأي جانب راعيناه فقد راعيناه مع الشك، إذا لم يعرف السابق، فنقول مراعاة جانب المشتري بالاحتياط أولى؛ لأن البقاء مع الشك أخف من الإثبات ابتداءً بالشك؛ لأن الشيء يبقى مع الشك ولا يثبت ابتداء مع الشك، فلهذا كان مراعاة الاحتياط في جانب المشتري أولى من مراعاة الاحتياط في جانب البائع.

والثاني: أن الإجازة لا ترد على الفسخ، فإن المفسوخ لا يجاز لفسخ يرد على الإجازة لا المجاز بفسخ، فإذا اجتمعا معاً كان الفسخ أولى.

كنكاح الحرة مع نكاح الأمة إذا اجتمعا كان نكاح الحرة أولى بالجواز؛ لأنه يرد على نكاح الأمة، ونكاح الأمة لا يرد على نكاح الحرة فعند الاجتماع كان نكاح الحرة أولى، وكما قلنا في العتق والبيع إذا توقفا فأجاز المالك كلاهما كان العتق أولى؛ لأن العتق يرد على البيع والبيع لايرد على العتق، فعند الاجتماع كان العتق أولى فكذلك هذا.

قيل: ما ذكر في البيوع قول محمد، وما ذكر في «المأذون» قول أبي يوسف؛ لأن محمد رحمه الله يقدم ولاية الملك على ولايته، وأبو يوسف يسوي بينهما أصله: في الوكيل بالسلم أو بشراء شيء بغير عينه إذا عقد ولم تحضره البينة، فعلى قول محمد يقع للوكيل، وعند أبي يوسف بحكم النقد.

وقيل: ما ذكر في البيوع و «المأذون» من ترجيح أحد التصرفين على الآخر قول أبي حنيفة، فأما على قول محمد: ينبغي أن تصح الإجازة في النصف والفسخ في النصف، ثم يكون للمشتري الخيار، إن كان الخيار مشروطاً للبائع وللأجنبي لتفرق الصفقة على

<<  <  ج: ص:  >  >>