الأول: أن تكون الدار في يد البائع وفي هذا الوجه لو شهد الشهود المشتري بمجرد الشراء منه يقضي له بالدار، وإن لم يشهدوا بالملك للبائع.
الوجه الثاني: أن تكون الدار في يد غير البائع وذو اليد يدعي الدار لنفسه، وأنه على وجوه، فشهدوا أنه اشتراها من فلان فلم يزيدوا عليه، فإنما لا يقضي له بها ولا ينتقض يد ذو اليد بهذه الشهادة؛ لأنه لم يثبت الملك للمدعي بهذه الشهادة؛ لأنه لم يثبت إلا مجرد الشراء من فلان يوجب الملك للمدعي إن كان البائع مالكاً أو نائب المالك، وإن كان غاصباً لا يوجب الملك للمدعي فيقع الشك في نقض يد ذي اليد، فلا ينقض بالشك، وكان هذا بمنزلة ما لو شهدوا أنه كان في يد المدعي، ولم يزيدوا عليه، فإنه لا ينقض يد ذي اليد بهذه الشهادة، وإن ثبت حدوث يد ذي اليد؛ لأنه احتمل أن يد المدعي كان بحق فيجب نقضه بهذا الاعتبار، واحتمل أنه كان بغير حق فلا يجب نقضه فلم ينقض بالشك والاحتمال فكذلك هذا، ولا يقال (١٢٠أ٣) بأن الظاهر أن تكون يده يد الملك؛ لأنا نقول الظاهر يصلح حجة للدفع ولا يصلح حجة الاستحقاق وههنا حاجته إلى استحقاق اليد على ذي اليد.
وإن شهدوا أنه اشتراها من فلان وهو يملكها، فإنه يقضي بذلك للمدعي وينقض يد ذي اليد؛ لأنه ثبت ملك المدعي بلا احتمال، فإنهم شهدوا بالملك للبائع، وإذا ثبت ملك البائع ثبت ملك المشتري بالشراء منه فينقض يد ذي اليد، كما لو شهدوا أنه ملك المدعي.
وكذلك إن شهدوا أنه اشتراها من فلان وأنها لفلان تقبل شهادتهم؛ لأن شهادتهم أنها لفلان كشهادتهم أنه كان يملكها، وكذلك لو شهدوا أنها لهذا المدعي اشتراها من فلان يقضي بها للمدعي؛ لأنهم شهدوا بالملك للمدعي وشهدوا بالملك لبائعه، مقتضى شهادتهم بالملك للمدعي، فإن المشتري يملك من جهة البائع.
وكذلك لو شهدوا أن فلاناً باعها منه وسلم إليه، فإنه يقضي للمدعي، وينقض يد ذي اليد وكان يجب أن لا يقضي وهو رواية القاضي أبو حازم عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله؛ لأنهم لم يشهدوا بالملك للمشتري نصاً، ولم يشهدوا بالملك للبائع ليكون شهادة بالملك للمشتري إذا ثبت شراء أو هبة إنما شهدوا بالبيع والتسليم، وكلا الأمرين قد يكون من المالك ومن نائبه، وقد يكون من الغاصب فصار هذا كما لو شهدوا أنه باعها وهي في يده يوم البيع ولم يزيدوا على ذلك، وهنا لا تقبل الشهادة كذا ههنا، إلا أن الجواب منه أن يقال: بأنهم بهذه الشهادة أثبتوا للمدعي يد ملك فينتقض يد ذي اليد، كما لو نصوا أنه كان في يده ملك، وإنما قلنا ذلك؛ لأنهم شهدوا للمدعي بيده مقرون بسبب الملك والشهادة للمدعي باليد مقروناً بسبب الملك فهي محتملة بين أن يكون يد ملك وبين أن لا تكون احتمالاً على السواء، فإذا اقترن به سبب الملك ترجح جانب يد الملك وسقط اعتبار احتمال أنه ليس بيد ملك، وإذا سقط هذا الاعتبار فكأنهم شهدوا نصاً أن يد المدعي يد ملك.