فأما إذا لم يتخلل بين الأقل والأكثر حرف العطف بأن شهد أحدهما بالألف والآخر بألفين إن كان المدعي يدعي الأقل، فإنه لا تقبل هذه الشهادة عندهم جميعاً كما لو وقع الدعوى في مطلق المال؛ لأنه كذب شاهده بأكثر المالين إلا أن يوفق المدعي على قول أبي يوسف ومحمد، فيقول: كان لي عليه ألفان إلا أني استوفيت منه ألف درهم ولم يعلم به الشاهد بأكثر المالين فحينئذ تقبل الشهادة عندهما؛ لأن المانع من قبول الشهادة عندهما في هذا الفصل تكذيب الشاهد بأكثر المالين، وقد زال التكذيب فتقبل الشهادة كما لو تخلل بين المالين حرف العطف، وعند أبي حنيفة رحمه الله: أنه لا تقبل وإن وفق على هذا الوجه؛ لأن المانع من قبول الشهادة أنهما لم يتفقا على ألف لفظاً ولا يثبت اتفاقهما على ألف لفظاً ولا يبيعه هذا التوفيق، وإن كان المدعي يدعي أكثر المالين ألفي درهم، فالمسألة على هذا الوجه والاختلاف لا تقبل عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف ومحمد: تقبل هذه الشهادة.
قال: وإذا ادعى رجل داراً في يدي رجل أنه قد اشتراها منه وأقام على ذلك شاهدين فشهدا أنه باعها وسميا الثمن، واتفقا عليه، غير أنهما اختلفا في الأيام أو البلدان، فإنه لا يمنع قبول الشهادة؛ لأن البيع تصرف قولي واختلاف الشاهدين في الزمان والمكان لا يمنع قبول الشهادة متى قامت الشهادة على القبول، ألا ترى أن العادة بين الناس أنهم يدورون على الشهود، وعند الإشهاد فتختلف الأماكن والأوقات ويكون الإقرار واحداً.
قال: وإذا ادعى الرجل داراً في يدي رجل أنه اشتراها وأقام شاهدين عليها غير أنهما لا يعرفان الدار ولا الحدود ولا يسميان من ذلك شيئاً، فإن شهادتهما لا تقبل؛ لأنهما شهدا لمجهول؛ لأنهما لم يشيرا ولا حدود المشهود به، والتعريف في العقارات يقع بأحد هذين الأمرين، فإذا لم يوجد واحد منهما كان المشهود به مجهولاً، وجهالة المشهود به تمنع قبول الشهادة؛ لأنه لا يمكن القضاء بها، وإن قالا: قد سمى البائع والمشتري موضع الدار وحدودها وصفوا ذلك وسمو إلا أنا لا نعرف أن هذا المحدود هل هو في يد البائع أم لا؟ فإنه تقبل هذه الشهادة؛ لأن المشهود به معلوم، فإنهم حدوا الدار، والتعريف يقع بذكر الحدود في باب العقار إلا أنه لا يقضى بها متى أنكر المشهود عليه أن تكون الدار التي ذكرها الشهود وحدوها وهي الدار التي في يده الجواز أن يكون لهذا الدار التي ادعاها الحدود التي ذكرها الشهود، ويحتاج المدعي إلى إقامة بينة أخرى، أن الدار التي ادعاها المدعي بهذه الحدود التي ذكرها الشهود، فإذا أقام بينة أخرى على هذا الوجه قضي بالدار.
ونظير هذا: ما قالوا في رجل جاء بكتاب قاض إلى قاض أن فلاناً وفلاناً شهدا عندي أن لفلان بن فلان على فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً فأحضر المدعي أنه فلان بن فلان، وأنكر الرجل أن يكون بن فلان ما لم يقم المدعي بينة أخرى أن هذا الرجل فلان بن فلان، فإنه لا تقبل بينته كذا ههنا، وإذا كان المشتري يجحد الشراء، والبائع يدعيه فالجواب فيه