والرابع: بيان قدره في المكيلات بالكيل والموزونات بالوزن والمعدودات بالعد لأن بدون بيان هذه الأشياء يقع بينهما منازعة من التسليم والتسلم، أما إذا لم يبينا الجنس، فإن المسلم فيه أجناس مختلفة فالمسلم فيه ربما يعطي جنساً، ورب السلم يطالبه بجنس آخر وليس الرجوع إلى قول أحدهما بأولى من الآخر؛ لأنهما متعاوضان وقضية المعاوضة التساوي، وأما إذا لم يبينا النوع والصفة؛ فلأن المسلم فيه يختلف باختلاف النوع وصفته فتعين كل واحد منهما نوعاً آخر وصفة أخرى، وأما إذا لم يبين المقدار؛ فلأن كل واحد منهما يعين المقدار غير ما يعين صاحبه، وينبغي أن يعلم مقداره بمعيار يؤمن فقده من أيدي الناس، ولو علم قدره بمكيل بعينه نحو أن يقول بهذه الإناء بعينه أو بهذا الزنبيل أو بوزن هذا الحجر لا يجوز إذا كان لا يعرف كم يسع في الإناء ولا يعرف وزن للحجر، وبيع العين يخالف بيع السلم هذا في المشهور.
فإن من قال لغيره: بعت منك من هذه الصبرة بهذه الزنبيل أو بوزن هذا الحجر جاز في المشهور من الرواية؛ لأن التسليم في باب السلم لا يعقب العقد، وإنما يكون بعد حلول الأجل، ومن الجائز أن يهلك ذلك الإناء الحجر قبل حلول الأجل فلا يدري كم يجب تسليمه، فأما في بيع العين السلم يعقب العقد، وأنه لا يهلك في هذه الساعة الطبيعة غالباً فلا تتمكن الجهالة.
وكذا في الذرعيات ينبغي أن يعلم قدر يؤمن فقده من أيدي الناس وإن أعلمه بخشبة بعينها ولا يدري كم هي أو بذراع مده أو يد فلان لا يجوز.
الشرط الخامس: أن يكون المسلم فيه مؤجلاً بأجل معلوم حتى إن سلم الحال لا يجوز وهذا مذهبنا، وقال الشافعي رحمه الله: الأجل ليس بشرط لجواز السلم والصحيح مذهبنا؛ لأن جواز السلم عرف بخلاف القياس بالنص والنص جوزه بشرط الأجل قال عليه السلام: «من أسلم منكم فليسلم في كيل (١٢٣ب٣) معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم» ، واختلفت الروايات في الأجل الذي لا يجوز السلم بدونه.
ذكر ابن أبي عمرو أن البغدادي أستاذ البخاري قال: إنه مقدر بثلاثة أيام فصاعداً قال: وهو قول أصحابنا رحمهم الله عن أبي الحسن الكرخي أنه ينظر إلى مقدار المسلم فيه وإلى عرف الناس في تأجيل مثله، فإن كان شرط أجلاً يؤجل لمثله في العرف والعادة تجوز السلم ومالا فلا، وعن أبي بكر الرازي رحمه الله أنه قال: أقل مقدار يتعلق به