الديون، واستحقاق قبض رأس المال في المجلس لا ينفي معنى التوثيق.
قال: فإن فارق رب السلم المسلم إليه قبل القبض بطل العقد، وإن كان الكفيل والمحال عليه في المجلس، ولا يضرهما افتراق الكفيل والمحال عليه إذا كان المتعاقدان في المجلس؛ لأن القبض من حقوق العقد، وحقوق العقد تتعلق بالمتعاقدين فيصير بقاء المجلس في حقهما، ولا يضرهما افتراق غيرهما.
قال: ولو أخذ به رهناً فإن افترقا والرهن قائم انتقض العقد، ولو هلك في المجلس مضى العقد على الصحة؛ لأن الاستيفاء لا يتم إلا بهلاك الرهن، والافتراق قبل تمام القبض موجب انتقاض السلم.
قال: ولو أخذ بالمسلم فيه رهناً فهلك الرهن صار مستوفياً؛ لأن القبض وجد حقيقة ويتم بالهلاك والرهن، وإن لم يكن من جنس حقه صورة (١٢٧ب٣) فهو من جنسه معنى وهو المالية، والمرتهن إنما يصير مستوفياً دينه من مالية المرهون من صورته.
قال: ولو لم يهلك الرهن ولكن مات المسلم إليه وعليه ديون كثيرة، فصاحب السلم أحق بالرهن إلا أنه لا يجعل الرهن بدينه بل يباع بجنس حقه حتى لا يصير مستبدلاً بالمسلم فيه قبل القبض.
قال: إذا قال رب السلم للذي عليه السلم: كل مالي عليك وعزله في بيته أو في غرائزك ففعل ذلك رب التسليم ليس بحاضر، فإنه لا يكون قبضاً من رب السلم، وذلك؛ لأن رب السليم لو دفع إليه غرائز نفسه، وقال: كل مالي عليك من السلم في غرائري هذه ففعل، ورب السلم ليس بحاضر، فإنه لا يصير قابضاً، وإن صح الأمر باعتبار الغرائر من حيث إنه أمره يستعمل غرائزه لم يصح باعتبار الحنطة؛ لأنها ملك المسلم إليه فلأن لا يصير قابضاً ههنا ولم يصح الأمر لا باعتبار الحنطة ولا باعتبار الغرائر؛ لأن كلهيما ملك المسلم إليه أولى، هذا إذا كان رب السلم غائباً، فأما إذا كان رب السلم حاضراً في منزل المسلم إليه وكان بحضرته لا شك أنه لا يصير قابضاً إذا لم يخل بينه وبين الطعام؛ لأن القبض إنما يثبت إما بالقبض حقيقة بأن يأخذ مواجهة أو بتخلية المسلم إليه إياه ولم يوجد واحد منهما، فإذا خلى بينه وبين الطعام، فأهله هل يصير قابضاً أم لا؟ لم يذكر هذا الفصل في «الكتاب» نصاً.
وقد ذكر القدوري في «شرحه» : أن على قول أبي يوسف رحمه الله: لا يصير قابضاً حتى لو هلك بعد ذلك كان الهلاك على المسلم إليه، وعلى قول محمد يصير قابضاً، وظاهر ما ذكر محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» يدل على أن المذهب عنده كذلك؛ لأنه قال: ورب السلم ليس بحاضر، فهذا يدل على أنه إذا كان حاضراً في منزله إذا خلى بينه وبين الطعام يصير قابضاً.
وجه قول محمد رحمه الله: أن التخلية من البائع، فيصير المشتري بها قابضاً قياساً على ما لو حصلت التخلية من غير منزل البائع، وإنما قلنا بأن التخلية قد صحت؛ لأن صحتها بإزالة المسلم إليه يده على الحقيقة، وقد أزالها حين خلى بينه وبين الطعام.