للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخر رطباً وهلك عنده أو استهلكه، ثم انقطع أوان الرطب، قال أبو حنيفة رحمه الله: عليه قيمته من الفضة يوم الخصومة، وقال أبو يوسف: عليه قيمته من الفضة يوم الغصب، وقال محمد: عليه قيمته من الفضة يوم الانقطاع.

وجه كونها فرعاً لتلك المسألة: أن الواجب على المستقرض رد مثل ما قبض وعلى الغاصب كذلك، وقد حصل قبض الفلوس وهي رائجة، فيجب رد مثلها من ذلك الضرب رائجة، وقد عجز عن تسليمها رائجة بالكساد، كما أن غاصب الرطب عجز عن تسليم الرطب بالانقطاع إلا أن غاصب الرطب عجز عن رد الأصل، ومستقرض الفلوس عجز عن رد الصفة وهي كونها رائجة.

وإذا صارت هذه المسألة بناء على تلك المسألة لو أوجبنا القيمة على قول أبي حنيفة وجب اعتبار القيمة يوم الخصومة ههنا كما وجب اعتبار القيمة يوم الخصومة ثمة، قلنا: إيجاب قيمتها من الفضة يوم الخصومة لا يفيد؛ لأن قيمتها كاسدة وعينها سواء بل إيجاب العين كاسدة أعدل من قيمتها فأوجبنا المثل على قوله ولم نوجب القيمة لهذا، وعلى قولهما لما وجب اعتبار قيمتها رائجة إما يوم الاستقراض وإما في آخر يوم كانت رائجة كان إيجاب القيمة من الفضة أعدل من إيجاب عينها كاسدة فيؤول الكلام إلى تلك المسألة، فإن اصطلحا على شيء يداً بيد، فهو جائز؛ لأن الواجب في الذمة على قولهما القيمة من الفضة، وعلى قول أبي حنيفة الفلوس، وأياً ما كان فالاستبدال به جائز بعد أن يكون الافتراق عن عين بدين، والجواب في العدلي على ما ذكرنا من غير تفاوت. وكثير من المشايخ كانوا يفتون بقول محمد رحمه الله، وبه كان يفتي الصدر الكبير برهان الأئمة، والصدر الشهيد حسام الدين، وبعض مشايخ زماننا أفتوا بقول أبي يوسف رحمه الله وقوله أقرب إلى الصواب في زماننا.

وفي بيوع «الأمالي» : رجل استقرض من آخر شيئاً من الكيلي أو الوزني وانقطع عن أيدي الناس، قال: يجبر المقرض على التأخير حتى يدرك الحديث عند أبي حنيفة؛ لأن الانقطاع عن أيدي الناس يجري مجرى الهلاك، ومن مذهب أبي حنيفة رحمه الله أن الحق لا ينقطع عن الغير بهلاك العين على ما عرف في موضعه. وإذا بقي الحق في العين، ولوجود العين غاية معلومة يجبر على التأخير إلى وقت وجوده ليصل إليه عين حقه، أكثر ما فيه أن في التأخير ضرب ضرر للمقرض إلا أن في أخذ غير الحق ضرراً للمستقرض، وهذا الضرر فوق ضرر التأخير، فكان أولى بالدفع.

وفي «نوادر ابن سماعة» عن أبي يوسف: في رجل استقرض من آخر شيئاً من الفواكه كيلاً أو وزناً، فلم يقبضه المقرض حتى انقطع، فهذا لا يشبه الفلوس إذا كسدت؛ لأن هذا مما لا يوجد، فهذا يجبر صاحبه على تأخيره إلى أن يجيء الحديث إلا أن يتراضيا على قيمته. قال: وهذا في الوجه مثل رجل استقرض من رجل طعاماً من بلد الطعام فيه رخيص، فالتقيا في بلد الطعام فيه غال، فأخذه الطالب بحقه، فليس له أن يحبسه ويؤمر المطلوب بأن يوثق له حتى يعطيه إياه في البلد الذي استقرضه فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>