بالصرف لنفسه واستيفاء الحق من الدراهم، فيقع الصرف للدافع، ويقع القبض بحكم الصرف للدافع أيضاً، والتقريب ما ذكرنا.
نوع آخر من هذا الفصل
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : رجل استقرض من رجل كراً من طعام، ثم إن المستقرض اشترى من المقرض الكر الذي عليه بمائة درهم جاز الشراء؛ لأن المستقرض صار ملكاً للمستقرض بنفس القبض، ووجب عليه للمقرض كراً مثله، فصح الشراء، بخلاف ما إذا اشترى غير من عليه الدين حيث لا يجوز؛ لأنه لا يمكنه التسليم إلا بالقبض، فكان عاجزاً عن التسليم للحال فلا يجوز، أما ههنا المبيع في يد المشتري؛ لأنه في ذمته وذمته تكون في يده أيضاً، فلما اشترى وقع مسلماً إليه فصح.
وإذا جاز الشراء إن نقد المائة في المجلس، فالشراء ماض على صحته، وإن لم ينقدها في المجلس بطل لافتراقهما عن دين، وهذا بخلاف ما إذا وجب على المستقرض كر حنطة، ثم إن كل واحد منهما باع ماله على صاحبه بما لصاحبه عليه حيث يجوز، وإن افترقا عن المجلس من غير قبض شيء لأن هناك الافتراق حصل بعد قبض البدلين حكماً؛ لأن بنفس الشراء ملك كل واحد ما ذمته إذ ذمته في يده، قالوا: وهذا على قول أبي حنيفة ومحمد رحمه الله؛ لأن عندهما المستقرِض يصير ملكاً للمستقرض بنفس القبض، فيجب عليه مثله ديناً في الذمة فيصح الشراء.
أما عند أبي يوسف: فالمستقرض لا يصير ملكاً للمستقرض إلا بالقبض مع الاستهلاك، فلم يجب في ذمة المستقرض شيء، فلا يصح الشراء، فإذا استهلكه ثم اشتراه لا يصح بلا خلاف، وكذلك الاختلاف في الملك في المنقود وسائر ما يستقرض.
وجه قول أبي يوسف رحمه الله: أن (القبض) بمنزلة العارية، ولهذا لا يصح التأجيل فيه مع صحة القرض وجعلت إعارة كل مكيل وموزون قرضاً، لا إعارة تمليك المنفعة، ولهذا لا يملكه المكاتب والعبد والأب والوصي، والإعارة تمليك المنفعة لا تمليك العين إلا أن منافع هذه الأعيان لا تنفصل عن الأعيان، فأقيمت المنافع مقام الأعيان، ثم المنافع لما كانت لا تملك إلا بالاستهلاك، فكذلك الأعيان التي قامت مقام المنافع.
وجه قول أبي حنيفة ومحمد هو: أن الأعيان لما أقيمت مقام المنافع فيما لا يتهيأ الانتفاع إلا بعد استهلاكها يقوم قبض العين أيضاً مقام قبض المنفعة لهذه الضرورة، والمنفعة في باب الأعيان تمليك بالقبض، فكذا العين تملك بالقبض، غير أن قبض المنافع لا يكون بدون الاستهلاك، فإذا افترقا في حق القبض يفترقان في الملك الذي هو بناء عليه. والدليل عليه: أن المستقرض لو باع القرض من غيره يجوز، وكان الثمن له. ولو بقي على ملك المقرض قبل الاستهلاك لكان يقف هذا البيع على إجازته، وكذا سائر تصرفاته من الهبة والصدقة على هذا.
ثم إذا نقد المشتري المائة في المجلس، ثم وجد بالكر عيباً لم يرده بالعيب؛ لأنه لا وجه إلى رده بحكم الشراء؛ لأن العقد ما يتناوله. ولا وجه إلى رده بحكم القرض؛