وروى أيضاً نصر بن يحيى عن محمد بن سماعة قال سمعت أبا يوسف يقول: إذا قرأ القارىء في الصلاة بحروف أبي وابن مسعود، وليس ذلك في مصاحفنا، فإن الصلاة لا تجوز، وروى عبد الصمد بن الفضل عن عصام بن يوسف أنه كان يقول: من قرأ بقراءة ابن مسعود في الصلاة فسدت صلاته.
والمتأخرون من مشايخنا قالوا: هذا إذا لم يثبت من وجه يلزم به الحكم أن هذه قراءة ابن مسعود أو قراءة أبي، بأن لم تثبت لهما رواية صحيحة مسندة إليهما أو إلى واحد منهما أنه قرأ، كذلك إنما وجه ذلك في المصحف؛ لأن لمجرد وجوده في المصحف لا تثبت قراءتهما، ولا يجوز العمل بما في المصاحف إذا لم توجد لهما رواية.
الدليل على صحة ما قلنا ما روى الزهري عن سالم عن أبيه قال: كَتَبَ رسول الله عليه السلام كتاب الصدقة، فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض ثم الصحابة لم يعملوا بما في ذلك الكتاب؛ لأن رسول الله عليه السلام مات قبل أن يخرجه إلى عماله، وقبل أن يأمر به، فلم يجعلوا مجرد الوجود حجة الإلزام.
فإن قيل: ذكر في الخبر عمل به أبو بكر حتى قبض ثم عمل به (عمر) حتى قبض.
قلنا: عملهما بذلك غير مشهور ولو ثبت يحتمل أنهما عملا به لأنهما قد سمعا ما في الكتاب عن رسول الله عليه السلام، والدليل عليه ما روي في الأخبار أنه عمل به أبو بكر وعمر وعثمان صدراً من خلافته، ولو كان العمل به واجباً لكان لا يقتصر على العمل به واجباً في بعض خلافته، فأما إذا ثبتت رواية صحيحة مسندة إليهما أو إلى واحد منهما أنهما قرءا كذلك لا تفسد صلاته؛ لأنا لو قلنا تفسد صلاته، فقد قلنا أن عبد الله بن مسعود وأبي لم يصليا صلاة جائزة إذا كانا لم يجعلا للتلاوة قراءة على حدة غير التي كانا يقرءان في الصلاة، والذي يؤيد ما قلنا قول النبي عليه السلام:«من أراد أن يقرأ القرآن غضاً طرياً كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد» ، فقد أخبر أن القرآن أنزل بقراءة عبد الله ورغب (٥١أ١) في القراءة بقراءته ولا يتوهم على النبي عليه السلام أنه يرغب في التلاوة بقراءة لا تجوز معها الصلاة، والجواب عن هذا أن يقال بأن من شرط جواز الصلاة قراءة القرآن قطعاً، ولم يثبت كون ما في مصحف ابن مسعود قرآناً عندنا قطعاً؛ لانعدام شرط وهو الفعل المتواتر، فلم تجز الصلاة بما في مصحفه لنا. أما كون ما في مصحفه قرآناً عنده، قد ثبت قطعاً؛ لأنه سمعه من رسول الله، فجازت صلاته من مصحفه، وقوله عليه السلام «من أراد أن يقرأ القرآن غضاً طرياً إلى آخره» ، فمعناه إذا ثبت قراءته عنده بشرط وهو النقل المتواتر، فليقرأ بقراءته وذكر بعض المشايخ أنه إذا قرأ ما يغير في