لازم بأصل التخليق فألحق بجنسه وهو الدراهم والدنانير، فيشترط قبض البدلين في المجلس كما في الدراهم والدنانير.
ولو قاما عن مجلس الصرف فذهبا معاً في جهة واحدة فرسخاً أو ما أشبهه ثم تقابضا قبل أن يفارق أحدهما صاحبه جاز العقد، وهذا دليل على أن المعتبر التفرق بالأبدان لا بالذهاب عن مجلس العقد، قال: وكذلك لو طال قعودهما في مجلس العقد أو ناما في مجلس العقد أو أغمي عليهما ثم تقابضا قبل أن يفارق أحدهما صاحبه جاز هكذا ذكر القدوري في «كتابه» .
وذكر مسألة النوم والقعود والإغماء علي بن الجعد عن أبي يوسف على نحو ما ذكر القدوري، وذكر ابن رستم عن محمد مسألة الذهاب معاً ميلاً أو أكثر على نحو ما ذكر القدوري، وذكر مسألة النوم بخلاف ما ذكر القدوري فقال: إذا ناما أو نام أحدهما فهذه فرقة، ولو ناما جالسين لم تكن فرقة.
وعن محمد رواية أخرى: إذا نام طويلاً بطل الصرف، وإن كان يسيراً فهو على صرفه فهذه المسألة دليل أيضاً أن العبرة للتفرق بالأبدان، والأصل في ذلك ما روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال «وإن استنظرك أن يدخل بيته فلا تنتظره» ، وقال أيضاً:(١٤٦أ٣) وإن وثب من سطح فثب معه، وكذلك إذا قام أحدهما عن المجلس وبقي الآخر كذلك لا يبطل الصرف ما لم يتفرقا؛ لأنهما لو قاما معاً لا يبطل الصرف فإذا قام أحدهما أولى.
قال القدوري في «كتابه» : ولا يشبه هذا خيار المخيرة، يريد به: أن خيار المخيرة يبطل بالقيام عن المجلس؛ لأن خيار المخيرة يبطل بالإعراض والقيام عن المجلس دليل الإعراض.
قلنا: بطلان الصرف بالافتراق بالأبدان قبل قبض البدلين، وذلك يتحقق بمجرد قيام أحدهما أو قيامهما عن المجلس.
وعن محمد رحمه الله رواية أخرى: أنه جعل الصرف بمنزلة خيار المخيرة حتى قال: يبطل بما هو دليل الإعراض كالقيام عن المجلس والنوم طويلاً وأشباه ذلك.
وعن محمد: إذا كان لرجل على غيره ألف درهم ولذلك الغير عليه مئة دينار فأرسل من عليه الدراهم إلى صاحبه رسولاً، وقال: بعتك الدنانير التي عليك بالدراهم التي لك علي فقال صاحبه: قد قبلت فهو باطل علل، قال: من قبل أنهما تصارفا وهما مفترقان ومعنى هذا الكلام أن عبارة الرسول تنتقل إلى المرسل، فكأن المرسل باشر البيع مع صاحبه وهما مفترقان، إلا أن الافتراق في غير الصرف ليس بضائر.
وعن محمد فيمن قال لقوم: اشهدوا أني اشتريت من ابني الصغير هذا الدينار بعشرة دراهم، ثم قام قبل أن يزن العشرة فهو باطل؛ لأنه لا يمكن اعتبار الافتراق بالأبدان؛ لأن العاقد هو فيعتبر المجلس والله أعلم.