للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على خلاف جنس الحق بمعنى الشراء فقد وجد قبض البدلين في مجلس العقد أحدهما حقيقة والآخر حكماً.

ثم يستوي في هذا أن تكون الدراهم قائمة في منزل الغاصب، أو كانت مستهلكة، ففي الحالين جميعاً يجوز الشراء بالمائة دينار إذا قبض المائة في المجلس، أما إذا كانت قائمة؛ فلأن الغاصب قابض لها بيده، وإن كانت مستهلكة؛ فلأن قابض لها بذمته.

وكذلك لو كان الذي غصب إناء فضة، ثم اشتراه الغاصب من المغصوب منه أو صالحه على جنس حقه أو على خلاف جنس حقه وقبض المغصوب منه البدل قبل أن يتفرقا، وأما إذا تفرقا قبل أن يقبض المغصوب، منه فالشراء يجوز قياساً واستحساناً، سواء كان المغصوب قائماً أو مستهلكاً، وأما الصلح، فإن المغصوب مستهلكاً حقيقة بأن أحرقه الغاصب، أو حكماً بأن كان معيناً أو حلف الغاصب وتفرقا قبل قبض البدل، القياس: أن يبطل الصلح. وفي الاستحسان: لا يبطل.

ولو كان المغصوب قائماً في يد الغاصب وهو مقر به ولا يمنع المالك من أخذه لا يجوز الصلح قياساً واستحساناً.

وجه الاستحسان: وهو الفرق بين البيع والصلح إذا كان المغصوب مستهلكاً أن في الصلح إن تعذر العمل (١٦٠أ٣) بلفظ الصلح باعتبار المبادلة من حيث إن قبض البدل قبل الافتراق شرط المبادلة كما في البيع أمكن العمل بمجازه بأن يجعل الصلح كناية عن التضمين.

ويصير معنى قوله: صالحتك بمنزلة قوله: ضمنتك قيمته من خلاف جنسه أو من جنسه بمثل وزنه غير مصوغ، فإن له أن يضمنه مثل وزنه من جنسه غير مصوغ، وقبض القيمة ليس بشرط صحة التضمين عند علمائنا الثلاثة على ما بينا، فيجعل كذلك.

وإنما قلنا: أمكن العمل بمجازه وهو التضمين؛ لأن بين الصلح وبين التضمين موافقة من حيث المعنى الخالص؛ لأن الصلح أخذ بعض الحق وترك البعض؛ لأنه أخذ الحق من حيث المعنى وترك الصورة، وحق المغصوب منه في الصورة معتبر حتى لا يكون للغاصب حال قيام المغصوب أن يمسك المغصوب منه ويعطيه مثله، فيثبت أن في الصلح معنى التضمين.

فعند تعذر العمل به باعتبار المبادلة يجعل كناية عن التضمين تصحيحاً له، والتقريب ما ذكرنا.

بخلاف ما إذا كان المغصوب قائماً بعينه والغاصب مقربه لا يمنع المالك عن أخذه؛ لأن هناك لا يمكن أن يجعل الصلح كناية عن تضمين القيمة؛ إذ ليس له حق تضمين القيمة والحالة هذه، ولا يمكن تصحيحه بطريق المبادلة؛ لأن قبض البدل في المجلس في المبادلات شرط ولم يوجد، ولا يمكن تجويزه بطريق استيفاء البعض والإبراء عن البعض؛ لأن الإبراء عن الأعيان باطل.

فأما إذا كان المغصوب مستهلكاً فللمالك حق تضمين الغاصب، فيمكن تصحيح الصلح باعتبار معنى التضمين فصححناه كذلك.

فأما في فصل البيع كما تعذر العمل بحقيقته وهو المبادلة؛ لأن قبض البدلين في

<<  <  ج: ص:  >  >>