فقال: لو استأجر بعرض أو ما أشبهه على تموه لجامه وشرط ذهب على الأجير وبين مقداره فهو جائز، وإن لم يتقابضا؛ لأن ما يخص الذهب من العرض يكون بيعاً، وما يخص العمل يكون إجارة، وقبض الثمن والأجرة قبل الافتراق ليس بشرط.
ولو دفع إلى رجل عشرة دراهم فضة، ثم قال: صغها كلها قلباً ولك أجر كذا وكذا ففعل ذلك فهو جائز؛ لأنه استقرض من العامل خمسة دراهم وصار قابضاً لها حكماً للاختلاط بملكه.
ألا ترى لو هلكت بعد الخلط هلك من مال الأمر ثُم استأجره للعمل في ملكه ببدل معلوم، وذلك جائز فقد جعل الخمسة قرضاً في هذه المسألة وفي المسألة الأولى لم يجعل ما كان عند العامل قرضاً، وإنما جعله صرفاً؛ لأن في المسألة نص على الصرف حيث قال: علي أن أعطيك ثمنه وبأجر عملك كذا، وههنا لم ينص على الصرف، فإنه لم يذكر الثمن إنما ذكر لفظاً محتملاً، وهو قوله: اخلط من عندك.
فهذا يحتمل ثلاثه أشياء: الهبة والقرض والصرف، غير أن الهبة منتفية لما فيها من إلحاق الضرر بالعامل مع الاحتمال، فبقي القرض والصرف، وتعيين القرض أولى؛ لأنه أدنى؛ لأنه بمعنى العارية؛ لأنه تمليك المنفعة يرد مثله، وليس فيه الضرر.
وفي الصرف تمليك الرقبة والمنفعة جميعاً فكان القرض أدنى فجعلناه مستقرضاً للخمسة قابضاً لها حكماً لاتصالها بملكه، ولو لم يدفع إليه الفضة ولكن قال له: صغ لي قلباً من عندك بعشرة دراهم، فهذا باطل؛ لأنه استأجر العمل في ملكه؛ لأن القرض لا يفيد الملك إلا بالقبض حقيقة باليد أو حكماً لاتصاله بملكه ولم يوجد.
وإذا اشترى من آخر قلب فضة بدينار ودفع الدينار ولم يقبض القلب حتى جاء رجل وأحرق القلب، واختار المشتري فسخ العقد وفسخه أخذ ديناره من البائع، وكان للبائع أن يبيع المحرق بقيمة القلب، وإن اختار المشتري إمضاء العقد واتباع المحرق بقيمة القلب وأخذ منه القلب قبل أن يفارق البائع المشتري جاز الصرف؛ لأن قبض قيمة القلب كقبض القلب إلا أنه يتصدق بما زاد على الدينار إن كان ثمة زيادة؛ لأنه ربح ما لم يضمن، وإن لم يقبض القيمة حتى فارقه البائع بطل البيع وعلى البائع رد الدينار وابتاع المحرق بقيمة القلب، وهذا قول محمد وكان أبو يوسف يقول أولاً بقول محمد، ثم رجع وقال: لا يبطل الصرف.
الحاصل: إن على قول محمد وهو قول أبي يوسف الأول اختار المشتري اتباع المحرق لا يكون قبضاً منه، وعلى قول أبي يوسف ذكر قول أبي حنيفة في «الجامع الكبير» في مثل هذه المسألة.
وصورة تلك المسألة: رجل اشترى من آخر عبداً وقبل قبض المشتري، واختار المشتري إمضاء العقد واتباع القابل وقومت القيمة على القابل، فعلى قول أبي يوسف أولاً وهو قول محمد: التوى على البائع ويبطل البيع ولا يكون اختيار المشتري اتباع