لا تقبل من غير خصم حاضر، ولا خصم عن الغائب ههنا، حتى لو حضر صاحبها بعد إقامة المشتري البينه على الشراء وصدقه فيما أقوله من الملك وكذبه فيما ادعى من المشتري يسترد الدار من يد الشفيع ويسلم إلى البائع؛ لأنهم اتفقوا على أن أصل الملك كان له، ولم يثبت النقل من المشتري، ولكن يحلف صاحبها بالله ما بعتها من هذا المشتري، فإذا حلف حينئذ يرد الدار عليه، فإن قامت بينة لمحضر صاحبها أنه باعه من المشتري ثبت الشراء وسلم الدار للشفيع، ويقبل هذه البينة من المشتري ومن الشفيع؛ لأن المشتري يثبت عقده والشفيع يثبت حقه في الشفعة، وإن أقر البائع بالبيع وأنكر المشتري والدار في يد البائع قضى بالشفعة لما ذكرنا في جانب المشتري وخصمه الوكيل.
وإن أقر المشتري والبائع بالبيع، ولكن قالا: لا شفعة لفلان فيها، فإن القاضي يسأل الوكيل البينة على الحق الذي وجبت به لموكله الشفعة من شركة أو جوار، فإن أقامها قضي له بالشفعة، وما لا فلا.
وهذا لأن الوكيل قائم مقام الموكل، والحكم في حق الموكل إذا أنكر المشتري والبائع شفعته هذا فكذا في حق الوكيل، وإذا أراد الوكيل إثبات الشفعة لموكله بالجوار ينبغي أن يقيم بينة أن الدار التي إلى جنب الدار المبيعة ملك موكله فلان.
هكذا ذكر محمد رحمه الله، وقد ذكرنا في فصل إنكار المشتري جواز الشفيع كيفية الشهادة (١٧٥ب٣) في حق الأصيل، فيجب أن يكون في حق الوكيل كذلك، ولو أقام بينة أن الدار التي جنب الدار المبيعة ملك موكله فلان لا يكتفي به كما في حق الموكل، ولو أقام البينة بنفسه، وإذا أراد إثبات الشفعة بالشركة فأقام بينة أن لموكله فلان نصيباً من هذه الدار المبيعة ولم يثبتوا مقداره لا يثبت ذلك، ولا يقضى له بالشفعة؛ لأنه لا يمكن القضاء بالشفعة إلا بالقضاء بالشركة وتعذر القضاء بالشركة لمكان الجهالة.
وهذا بخلاف ما لو أقام المدعي بينة على المحبوس في السجن أنه موسر فإنه يقبل بينته، وإن لم يبينوا مقدار ملكه حتى يجلده القاضي في السجن بينة المدعي وتجليده في السجن لا يستحق إلا باليسار ويساره لا بثبت إلا بملكه.
والفرق: أن في مسألة المديون القضاء بالملك له مع إنكاره غير ممكن، ألا ترى مع بيان مقدار ملكه لا يمكن للقاضي أن يقضي له بالملك بجحوده، وما تعذر القضاء بالملك هناك لم يشترط للقضاء باليسار إمكان القضاء بالملك، وفي مسألة الشفعة أمكن للقاضي القضاء بالملك للشفيع؛ لأنه مدع، فلا يسقط اعتبار اشتراط القضاء بالملك للقضاء بالشفعة لمكان الجهالة.
وإذا وكل الرجل رجلاً بأخذ دار له بالشفعة ولم يعلمه الثمن صح التوكيل، وإذا أخذها الوكيل بما اشتراها المشتري لزم الموكل، وإن كان ذلك ثمناً كثيراً بحيث لا يتغابن الناس فيه سواء أخذها بقضاء أو بغير قضاء، بخلاف الوكيل بالشراء إذا اشترى بثمن كثير لا يتغابن الناس في مثله حيث لا يلزم الموكل.
والفرق: أن في فصل الشفعة الثمن منصوص عليه، وهو الثمن الذي اشتراه