فعلى رواية كتاب الشفعة جوز تسليمه في مجلس القاضي، ولم يحك فيه خلافاً، وذكر في كتاب «الوكالة» و «المأذون» : ما ذكر في الشفعة قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، وإقراره على موكله بالتسليم في مجلس القاضي صحيح بلا خلاف بين علمائنا الثلاثة وإقراره في غير مجلس القاضي عند أبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف الأول.
في قوله الآخر صحيح، فمحمد رحمه الله، فرّق بين تسليمه في مجلس القاضي وبين إقراره بالتسليم على موكله في مجلس القاضي.
والفرق: أن إقراره إنما صح أنه جواب الخصومة، والتسليم ليس جواب الخصومة بل هو إبطال حق على الموكل والوكيل مأمور باستيفاء الحق لا بإبطاله.
ألا ترى أن الوكيل بالخصومة في الدِّين يملك الإقرار على موكله بالقبض، ولا يملك الإبراء.
الوكيل بالشفعة إذا طلب الشفعة وادعى المشتري التسليم، فهذا على وجهين:
الأول: أن يدعي التسليم على الموكل ويطلب يمين الوكيل بالله ما يعلم أن الموكل قد سلم الشفعة، أو يطلب الموكل بالله ما سلمني الشفعة، فإن طلب يمين الوكيل، فالقاضي لا يحلفه؛ لأن أصل الدعوى وقعت على الموكل، فإنه ادعى تسليم الموكل واستحلاف غير من توجه عليه الدعوى بمنزلة البدل عن استحلاف من يوجه عليه الدعوى والإنصاف إلى البدل على إمكان المصير إلى الأصل، وما دام الموكل حياً واستخلافه ممكن بخلاف ما لو ادعى ديناً على ميت وأنكر الوارث ذلك وطلب المدعي من القاضي أن يحلف الوارث، فالقاضي يحلفه على علمه؛ لأن هناك وقع العجز عن المصير إلى الأصل، وإن طلب يمين الموكل، فالقاضي يقول له: سلم الدار إلى الوكيل ليأخذها الموكل بالشفعة وانطلق واطلب يمين الموكل.
وهو نظير ما لو وكل (١٧٦أ٣) رجلاً بقبض الدين فقال المديون: أريد يمين الموكل بالله ما أبرأني، فالقاضي يقضي عليه بالمال، ويأمره بالأداء إلى الوكيل ويقول له انطلق واطلب يمين الموكل، وهذا بخلاف الوكيل بالشراء إذا وجد بالمشترى عيباً وأراد رده على البائع، وطلب البائع يمين الموكل بالله ما رضي بالعيب كان له ذلك، ولا يرد حتى يحضر الموكل ويحلف الوجه الثاني أن يدعي التسليم على الوكيل ويطلب يمينه فالقاضي لا يحلفه عند أبي حنيفة ومحمد خلافاً لأبي يوسف رحمهم الله.
وإذا شهد شاهدان على الوكيل أنه سلم الشفعة عند غير القاضي، فشهادتهما باطلة عند أبي حنيفة ومحمد خلافاً لأبي يوسف، وكذلك إذا شهد شاهدان عليه أنه قد سلم عند القاضي، ثم عزل قبل أن يقضي عليه لم يجز على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله.
ولو أقر الوكيل عند القاضي أنه قد سلم الشفعة عند غير قاض، أو عند قاض آخر فإقراره صحيح، ويكون هذا بمنزلة إنشاء التسليم عند هذا القاضي.