لأن الشفيع إنما يأخذ الدار بمثل الثمن الذي هو مضمون على المشتري، والمضمون على المشتري الخمر دون الخل وقد عجز الشفيع عن الأخذ بصورة الخمر، فيأخذ بمعناها وهو القيمة، ثم يرجع المشتري على البائع بنصف الخل إن كان الخل قائماً في يده.
وإن كان مستهلكاً رجع عليه بمثل نصف الخل؛ لأنه لما استحق نصف الدار ظهر أن نصف الخمر كان في يده بحكم عقد فاسد، والخمر الذي اشتراها الذمي في شراء فاسداً إذا صارت خلاً في يده لا يسعه رد الخل بعينه إن كان قائماً، وإن عجز عن رد عينه رد مثله، فإن عجز عن رد مثله حينئذ رد قيمته، كذا هاهنا.
اشترى الذمي من ذمي كنيسة أو بيعة فللشفيع الشفعة هكذا ذكر في «الأصل» ، وهذا الجواب ظاهر فيما إذا كان من ديانتهم أن الملك لا يزول عن المالك بجعله بيعة أو كنيسة إنما يشكل فيما إذا كان من ديانتهم أن الملك يزول عن المالك بهذا الصنع؛ لأنه باع ما لا يملك فلا يجوز بيعه في ديانته، ونحن أمرنا ببناء الأحكام على اعتقادهم وأن يتركهم وما يدينون إلا ما استثني عليهم في عودهم.
والوجه في ذلك: أنه لما أقدم على البيع فقد أدان بديننا؛ لأن من ديننا أن الملك لا يزول عن المالك بما بعده للمعصية والذمي إذا دان بديننا يلزمه ذلك كما في نكاح المحارم إذا طلبا الفرقة من القاضي.
اشترى المرتد داراً ثم مات أو قتل على الردة حتى بطل شراؤه عند أبي حنيفة أو أسلم حتى نفذ شراؤه فللشفيع الشفعة؛ لأن شراء المرتد بمنزلة الشراء على أن المشتري بالخيار؛ لأنه توقف لمعنى من جهة المشتري وهو ردته.
ومن اشترى داراً على أن المشتري بالخيار كان للشفيع الشفعة أجاز المشتري البيع أو فسخ، وإن باع المرتد داراً ثم مات أو قتل على الردة، فلا شفعة للشفيع وإن أسلم فله الشفعة؛ لأن بيع المرتد بمنزلة البيع على أن البائع بالخيار.
ومن باع داراً بشرط الخيار إن أجاز البيع وجبت الشفعة وإن فسخه لا تجب كذا هاهنا عند أبي حنيفة، وإذا كان الشفيع مرتداً أو طلب الشفعة من القاضي، فالقاضي لا يقضي له بالشفعة حتى يسلم عند أبي حنيفة؛ لأن القضاء بالشفعة قضاء بالشراء، وشراء المرتد موقوف عند أبي حنيفة رحمه الله، بين أن ينفذ إذا أسلم، وبين أن يبطل إذا مات أو قتل على الردة، فمتى قضي له بالشفعة صار معرضاً قضاءه للإبطال، وعلى القاضي أن يصون قضاءه عن النقض والإبطال، وإن أبطل القاضي شفعته ثم أسلم بعد ذلك، فلا شفعة له؛ لأن قضاء القاضي قد نفذ لمصادفته محلاً مجتهداً فيه، فإن من العلماء من قال: لا شفعة للمرتد لا على الكافر ولا على المسلم وهو ابن شرمه.
ومنهم من قال: لا شفعة له على المسلم، وله شفعة على الكافر، وهو عثمان اليتي،