وكان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن حامد يحكي عن الشيخ الإمام الزاهد أبي حفص الكبير رحمه الله: أنه كان يقول: يسلم المشتري الأرض إلى الشفيع ثم يستأجر منه مدة معلومة يعلم أن الزرع يدرك في مثله نظراً للشفيع والمشتري، وكان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن حامد هذا يقول: ما قاله الشيخ لا يصح على قول محمد؛ لأن الأرض مشغولة بزرع رب الأرض فيمنع التسليم.
وإذا منع التسليم صار الشفيع مؤجراً الأرض قبل القبض، ومن مذهبه إن إجارة العقار قبل القبض لا تجوز، وإنما يصح هذا الجواب على قولهما؛ لأن عندهما إجارة العقار قبل القبض جائزة.
ومن هذا الجنس
في «فتاوى أبي الليث» وصورتها: رجلٌ أخذ أرضاً مزارعة وزرعها، فلما صار الزرع بقلاً اشترى المزارع الأرض مع نصيب رب الأرض من الزرع، ثم جاء الشفيع، فله الشفعة في الأرض وفي نصف الزرع، ولكن لا يأخذ حتى يدرك الزرع؛ لأن نصف الأرض مشغولة بنصيب (١٨٠ب٣) المزارع ولم يجب فيها الشفعة، فكان المزارع أحق بها حتى يدرك.
في «المنتقى» : رجل اشترى داراً ولها شفيع، فقال الشفيع: أجزت البيع وأنا آخذ بالشفعة أو قال: سلمت المبيع، وأنا آخذ بالشفعة فهو على شفعته إذا وصل، وإذا فصل وسكت ثم قال: أنا آخذ بالشفعة، فلا شفعة له.
في «المنتقى» أيضاً عن محمد: رجل اشترى من آخر داراً وجاء شفيع الدار، وادعى أنه كان اشترى هذه الدار من البائع قبل شراء هذا المشتري، فأقر المشتري بذلك ودفع الدار إلى الشفيع ثم قدم شفيع آخر، وأنكر شراء الشفيع أخذ الدار كلها بالشفعة؛ لأن الأول لم يأخذها بالشفعة ولم يطلب شفعته، فبطلت شفعته لترك الطلب، ولو كان الشفيع حين أقر له المشتري بما أقر به كذبه في إقراره.
معنى المسألة: إذا قال المشتري للشفيع ابتداء: قد كنتَ اشتريت هذه الدار قبل شرائي فهي لك بشرائك قبلي، وقال الشفيع: ما اشتريتها وأنا آخذها بالشفعة، فأخذها الشفيع من المشتري ثم الشفيع الآخر فليس إلا نصفها.
في «الفتاوى» : سئل أبو بكر عمن له ضيعة عليها خراج كثير ومؤن لا يشتري بشيء، فباعها مع دار قيمتها ألف درهم بألف درهم، فجاء شفيع الدار بكم يأخذ الدار؟.
قال: سئل أبو نصر عن هذا، فلم يجب، قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: وعندي أن الضيعة إذا كانت بحال يشتريها أخذها من أصحاب السلطان بشيء يقسم الألف على ما يشتري به الضيعة وعلى قيمة الدار، وإن كانت الضيعة لا يشتريها أحد قسمت الألف على قيمة الأرض في آخر الوقت التي ذهبت عنها رغبات الناس وعلى قيمة الدار؛ لأنه لا بد للقسمة من القيمة، فإذا لم يكن لها قيمة للحال يعتبر قيمتها في آخر الوقت الذي عنها رغبات الناس، ويمكن أن يقال على قياس أبي حنيفة يجعل الألف بمقابله الدار إذا لم يكن للضيعة قيمة أصلاً.