الحقوق فكذا في القسمة؛ لأنها بمعنى البيع إلا أن فرق ما بين البيع والقسمة أن البيع جائز على كل حال، والقسمة جائزة إن أمكنه أن يجعل لأرضه شرباً وطريقاً من موضع آخر، وإن لم يمكنه إن علم وقت القسمة أن لا طريق ولا شرب له، فكذا القسمة جائزة، وإن لم يعلم فالقسمة باطلة؛ لأن البيع وضع لتمليك ما عقد عليه البيع، وقد حصل هذا المعنى على كل حال.
فأما القسمة فكما أن فيها معنى التملك، ففيها معنى الإقرار لما كان لهم من المنفعة والمالية قبل القسمة، وإنما يتحقق الإقرار إذا لم يتضمن لفوات منفعة على بعض الشركاء منفعة كانت لهم قبل القسمة، فبدون ذلك لا تكون قسمة على الحقيقة، فيتوقف على رضاهم إذا ذكر الحقوق والمرافق في القسمة، فلما استحق المشروط له الحقوق الطريق فيما أصاب صاحبه بالقسمة إذا لم يمكنه إيجاد طريق آخر، أما إذا أمكنه فلا، وقد ذكرنا جنس هذا فيما تقدم.
ولو كان الطريق في أرض غيرهما استحق كل واحد منهما الطريق بذكر الحقوق أمكنه إيجاد طريق آخر، أو لم يمكن وإن لم يذكر الحقوق والمرافق في القسمة، وإنما ذكر كل قليل أو كثير هو فيها ومنها، قيل: يدخل الطريق والشرب.
ذكر شيخ الإسلام: أن في المسألة روايتين، في رواية لا يدخل لأن هذه الحقوق في البيع ولا منها، وفي رواية هذا الكتاب يدخل بحكم العرف، فإنه كما يراد بهذه الكلمة إدخال أما فيها ومنها يراد بها إدخال هذه الحقوق.
وإذا اقتسم نفر أرضاً على أن لفلان هذه القطعة وهذه النخلة، والنخلة في غير هذه القطعة، وعلى أن لفلان الآخر هذه القطعة الأخرى، ولم يقولوا لكل حق هو لها، وعلى أن للثالث التي فيها تلك النخلة، فالذي شرط له النخلة يستحق النخلة بأصلها من الأرض حتى لم يكن للذي شرط له القطعة التي فيها النخلة أن يقطع النخلة، فالنخلة تستحق بأصلها في القسمة.
وكذلك في الإقرار، إذا أقر لرجل بنخلة فإنه يستحق بأصلها، وإذا باع النخلة أو باع الشجرة مطلقاً، ذكر شيخ الإسلام أن في المسألة روايتين، وذكر شمس الأئمة السرخسي ذكر في «النوادر» : أن في البيع اختلافاً بين أبي يوسف ومحمد، على قول أبي يوسف يستحق النخلة بأصلها، وعلى قول محمد لا يستحق، فمحمد يحتاج إلى الفرق بين البيع وبين القسمة والإقرار.
والفرق: أن في القسمة بعض ما يصيب كل واحد منهما باعتبار أصل ملكه، وأصل ملكه فيها نخلة، وإنما يكون نخله قبل القطع فمن ضرورة استحقاق بعض النخلة بأصلها استحقاق جميع النخلة بأصلها وكذلك في الإقرار؛ لأن الإقرار اختيار تملك النخلة له، فأما البيع إيجاب مبتدأ فلا يستحق به إلا المسمى فيه، والنخلة اسم لما ارتفع من الأرض لا الأرض، فلا يجوز أن يثبت الملك ابتداء في شيء من الأرض بتسمية النخلة في البيع ما لم يسم النخلة بأصلها.