فإن لفظ «الجامع الصغير» التثويب الذي يثوب الناس في الفجر بين الأذان والإقامة حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح مرتين حسن، هذا هو التثويب المحدث، وروي عن أبي حنيفة أيضاً ما يدل على صحة هذا القول، فإنه روي عنه أن التثويب الأول كان في صلاة الصبح، ولم يكن في غيرها، وكان «الصلاة خير من النوم» ، فأحدث الناس حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح مرتين، وهو حسن.
ومعنى التثويب العود إلى الإعلام بعد الإعلام الأول مشتق من قولهم ثاب إلى المريض نفسه إذا برأ وعاد إلى الصحة، وأصل اللغة ثاب يثوب بمعنى رجع والكعبة تسمى مثابة؛ لأن الناس يرجعون إليها مرة بعد مرة، وإنما سمي هذا التثويب الذي أحدثه الناس حسناً، لأنهم رأوه حسناً، وقد قال عليه السلام «ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن» قال ويترسّل في الأذان، ويحدر في الإقامة، قال عليه السلام لبلال:«إذا أذنت فترسّل، وإذا أقمت فاحدر» وأن يرسل في الإقامة، ويحدر في الأذان، أو يرسل فيهما أو يحدر فيهما فلا بأس.
(نوع آخر)
في أذان المحدث والجنب وبيان من يكره أذانه ومن لا يكره
قال محمد رحمه الله: في مؤذن أذن على غير وضوء وأقام: أجزأه ولا يعيد، والجنب أحب إليَّ أن يعيد وإن لم يعيد أجزأه. يجب أن يعلم بأن الكلام هنا في فصلين في الكراهة، وفي الإعادة.
أما الكلام في الكراهة، فنقول: ذكر بعض المشايخ في شروحهم تكره الإقامة مع الحدثين باتفاق الروايات؛ لأنه يقع الفعل بين الإقامة والصلاة، وموضوع الإقامة يتصل بها أداء الصلاة، وكذلك يكره الأذان مع الجنابة باتفاق الروايات، وفي كراهته مع الحدث روايتان: فعلى الرواية التي قال: يكره الأذان مع الحدث، قاس الأذان على الإقامة، وجمع بينهما بمعنى جامع، وهو أن الأذان بينهما بالصلاة حتى يقام مستقبل القبلة، إلا أنه ليس بصلاة على الحقيقة، والصلاة بدون الطهارة لا تجوز أصلاً فما كان مشبهاً بالصلاة يجوز مع الكراهة، وعلى الرواية التي لا يكره الأذان مع الحدث.
فرقٌ بين الأذان والإقامة؛ ووجه ذلك: أن كراهة الإقامة مع الحدث، إنما كان لئلا يقع الفصل فيه بين الإقامة والصلاة، وإنه غير مشروع، وهذا المعنى لا يتأتى في الأذان؛ لأن الفصل بين الأذان والصلاة مشروع.
ثم في الأذان فرق بين الجنابة وبين الحدث على إحدى الروايتين فقال: لا يكره الأذان مع الحدث، ويكره مع الجنابة.
ووجه ذلك ما ذكرنا: أن للأذان شبهاً بالصلاة إلا أنه ليس بصلاة على الحقيقة، ولو كان صلاة لا يجوز مع الحدث والجنابة، فإذا كان مشبهاً بالصلاة.
قلنا: يكره مع الجناية اعتباراً لجانب الشبه، ولا يكره مع الحدث اعتباراً لجانب