أحدهما: أنهما شرطا في القسمة ما تقتضيه القسمة من غير شرط، فإنهما لو اقتسما الأرض وترك البناء على الشركة وجب على من وقع البناء في نصيبه نصف قيمة البناء لصاحبه، واشتراطها يقتضيه العقد من غير شرط لا يوجب فساد العقد.
فإن قيل: إذا لم يشترط القيمة وقت القسمة فالجهالة طارئة على القسمة، لأن القيمة تجب بعد ذلك حكماً فكانت طارئة، ومتى شرطا القيمة وقت القسمة كانت الجهالة متقارنة للقسمة، والجهالة الطارئة على العقد لا توجب فساد العقد، أما المقارنة تفسد العقد، عرف ذلك في كتاب البيوع، والجواب عن هذا أن يقال: لا بل الجهالة مقارنة للقسمة، وإن لم يشترطا القيمة؛ لأن القيمة واجبه لا محالة لا تنفك القسمة عنها فكانت الجهالة متقارنة، ثم لم يمنع ذلك جواز القسمة، فكذا إذا كانت مشروطة؛ لأنه لا يثبت بالشرط زيادة جهالة لم تكن ثابتة قبل ذلك.
الوجه الثاني: لبيان جواز هذه القسمة: أن العبرة لحال تمام العقد، والعقد تم في المعلوم فلا تضرهم الجهالة في الابتداء، كما لو اشترى أحد الأبواب الثلاثة على أنه بالخيار ويأخذ أيها شاء، وسمى لكل واحد ثمناً.
بيان هذا الكلام: أن حكم القسمة في الأرض لا يتم بالمساحة بل يتوقف تمام القسمة فيها على معرفة قيمة البناء وقسمتها بالقيمة، فلا تتم القسمة إلا بعد ظهور المعادلة في الكل ومعرفة كل واحد من الشركاء نصيبه.
فهو معنى قولنا: إن العقد يتم في المعلوم، ثم إذا اقتسما الأرض نصفين وترك البناء على الشركة ووقع البناء في نصيب أحدهما إنما وجب على من وقع البناء في نصيبه نصف قيمة البناء؛ لأنه لا وجه إلى إبقاء البناء مشتركاً كذلك؛ لأن ما تحت البناء من الأرض صار ملكاً لأحدهما، فمتى تركنا البناء كذلك يتضرر من وقعت ساحة الأرض في نصيبه، ولا وجه إلى أن يؤمر الذي لم يقع البناء في نصيبه نقض نصيبه، لأنه لا يمكن نقض نصيبه إلا بعد نقض نصيب صاحبه، وفي ذلك ضرر بصاحبه فلم يبق ههنا وجه سوى أن يتملك الذي لم يقع البناء في نصيبه من الأرض ونصيب صاحبه من البناء، أو يتملك صاحب الأرض من نصيب صاحبه من البناء، وتملك صاحب الأرض نصيب صاحبه من البناء أولى؛ لأن التملك فيه أقل؛ ولأن صاحب الأرض صاحب أصل وصاحب البناء صاحب تبع، وتملك التبع لحق صاحب الأصل أولى على ما عرف.
وإذا كانت الدار في يدي ورثة حضور كبار أقروا عند القاضي أنها ميراث في أيديهم وسألوه قسمتها.
قال أبو حنيفة رحمه الله: القاضي لا يقسم الدور وسائر العقار بإقرارهم حتى يقيموا بينة أن فلاناً مات وتركها ميراثاً بينهم.
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: قسمها بإقرارهم بينهم، ويشهد على أنه إنما قسمها بينهم بإقرار منهم لا بالبينة، وعلى هذا الخلاف إذا أقروا أن معهم وارث آخر غائب أو صغير، والدار كلها في يد الذين حضروا عند القاضي، وسألوه القسمة،