كان بعض الورثة حضوراً والبعض غيباً، والدار كلها أو بعضها في يد الغائب وطلب الحاضر القسمة من القاضي، وأقام البينة على الميراث، فإن كان الحاضر واحداً فالقاضي لا يقبل بينته ولا يقسم الدار، وعن أبي يوسف أن القاضي ينصب عن الغائب خصماً ويسمع البينة عليه ويقسم الدار.
وجه ظاهر الرواية: أن التركة قبل القسمة إن بقيت على حكم ملك الميت من وجه على ما مر صارت ملكاً للورثة من وجه، حتى لو أعتق واحد منهم عبداً من التركة قبل القسمة يعد العتق في نصيبه، وكل واحد من الورثة قبل القسمة يرتفق بنصيبه ونصيب شركائه، فالحاضر بدعوى القسمة كما يدعي إزالة ما بقي من ملك الميت يدعى على شركائه قطع الارتفاق بنصيبه ونصيب شركائه، فالحاضر ... جاز للقاضي نصب الوصي من حيث إنه دعوى على الميت لا يجوز له نصب الوصي من حيث إنه دعوى على شركائه الغائب، فلا يجوز نصب الوصي بالشك.
وليس كما لو ادعى أجنبي ديناً على الميت، وليس للميت وارث ولا وصي، فإن القاضي ينصب عنه وصيّاً عن الميت، أما هاهنا بخلافه، وإذا لم يكن للقاضي أن ينصب وصياً عن الميت، وهذا الواحد لا يصلح خصماً عن الميت وعن سائر الشركاء؛ لأنه مدعي فلا يصلح مدعياً عليه تعذر قبول البينة؛ لأن البينة من غير الخصم لا تقبل.
وإن حضر اثنان والباقي بحاله، فالقاضي يسمع البينة، ويقسم الدار ويجعل أحد الحاضرين مدعياً والآخر مدعى عليه، وأحد الورثة ينتصب خصماً عن الميت وعن باقي الورثة.
فإن قيل: كيف يجعل أحدهما مدعى عليه وكل واحد منهما مقر بما يدعيه صاحبه، والمقر بما يدعي المدعي لا يصلح خصماً للمدعي.
قلنا: كل واحد منهما إنما يقر على الغير والإقرار على الغير باطل، وجوده والعدم بمنزلة، ألا ترى أن من ادعى على ميت ديناً وأقر به وصيه، فإن المدعي يكلف إقامة البينة وينتصب الوصي خصماً له، وإن كان الوصي مقراً، وإذا حضر أحد الورثة ومعه صغير وطلب القسمة من القاضي، وأراد ن يقسم بينه على الميراث، فالقاضي ينصب وصياً عن الصغير ويسمع البينة عليه ويقسم الدار؛ لأن للقاضي ولاية نصب الوصي، ووصيه يقوم مقام الصبي، وكأن الحاضر اثنان بالغان.
وإن كانت الدار بين ثلاثة نفر بالشراء، وأحدهم غائب، فأقام اثنان منهم البينة على الشراء وطلبا من القاضي القسمة فالقاضي لا يسمع بينته ولا يقسم الدار بينهم؛ وهذا لأن الحاضر من المشترين لا ينتصب خصماً عن الغائب منهم؛ لأن الثابت بالشراء كل واحد منهم ملك جديد بسبب يأمره في نصيبه، فأما في الميراث لا يثبت للورثة ملك متجدد لسبب حادث، وإنما ينتقل إليهم ما كان من الملك للمورث بطريق الخلافة عنه، فيستقيم