ألا ترى أن هذا المستحق لو كان حاضراً وقت القسمة، واقتسما الثاني صح إلا أن المستحق عليه بالخيار؛ لأنه تعيب نصيبه؛ لأن الباقي لا يشترى بمثل ما كان يشترى مع المستحق، فإن نقض القسمة عاد الأمر إلى ما كان قبل القسمة ويستأنفان القسمة فيما وراء المستحق.
وإن أجاز القسمة رجع على صاحبه بعوض المستحق وذلك ربع ما في يد صاحبه مثلاً، إن كان المستحق نصف نصيب المستحق عليه؛ لأنا نعتبر استحقاق البعض باستحقاق الكل، ولو استحق كل نصيب أحدهما رجع على صاحبه بنصف ما في يده؛ لأن الذي أصاب المستحق عليه بالقسمة، نصفه كان له، ونصفه اشتراه من صاحبه بما ترك على صاحبه بما أصابه، فما كان ملكاً له لا يرجع به على أحد، وما اشتراه رجع على صاحبه بحصته، وذلك نصف ما في يد صاحبه، فإذا كان عند استحقاق الكل يرجع بنصف ما في يد صاحبه فعند استحقاق النصف يرجع بربع ما في يد صاحبه وعلى هذا القياس فافهم.
الوجه الثالث: إذا استحق جزء شائع، فيما أصاب واحداً منهم وفي هذا الوجه القسمة لا تفسد عند أبي حنيفة رحمه الله، والمستحق عليه بالخيار على نحو ما بينا، فإن أجاز القسمة وكان المستحق نصف نصيبه مثلاً رجع على صاحبه بربع ما في يده، وقال أبو يوسف: تفسد القسمة ويستأنفان القسمة، وقول محمد رحمه الله مضطرب في نسخ أبي حفص مع أبي حنيفة، وفي نسخ أبي سليمان مع قول أبي يوسف، وهكذا أثبته الحاكم في «المختصر» والأول أصح، فقد روى ابن سماعة وابن رستم قول محمد مع قول أبي حنيفة.
فوجه قول أبي يوسف رحمه الله: أن المقصود من القسمة الإقرار، وبهذه القسمة إن حصل إقرار نصيب غير المستحق عليه لم يحصل إقرار نصيب المستحق عليه فتفسد القسمة كما لو استحق جزء شائع من جملة الدار.
وجه قولهما: أن هذه قسمة أفادت مقصودها، لأن المقصود من هذه القسمة امتياز نصيب كل واحد من المتقاسمين، وانقطاع الشركة بينهما وبهذه القسمة أمتاز نصيب كل واحد منهما عن نصيب صاحبه إلا أنه ظهر لأحدهما شريك في نصيبه.
ومثل هذه الشركة لو ضرب بعد القسمة لا يوجب زوال الإقرار الحاصل بالقسمة الأولى، فإن كرّي حنطة بين اثنين اقتسماها وأخذ كل واحد كراً فجاء آخر وخلط بكر أحدهما كر حنطة، فإن القسمة الأولى تبقى على حالها، فإذا قارب الإقرار لم يمنع ثبوته، ولو كان باع أحدهما نصف ما أصابه بالقسمة ثم استحق ما بقي له، فإنه يرجع على صاحبه بربع ما في يده، عند أبي حنيفة ومحمد ولا يجيّر بخلاف ما قبل البيع حيث يجيّر؛ لأن قبل البيع قادر على رد ما بقي بعد الاستحقاق، وبعد البيع عجز عن رد ما وراء المستحق؛ فلهذا سقط خياره.
وأما على قول أبي يوسف: فالقسمة فاسدة لو كان ما وراء المستحق في يد