لا بل كانت القسمة على أن يكون لي ألف ومئة ذراع ولك تسعمئة ذراع، فشهد الشهود أن القسمة كانت بالسوية، ولم يشهدوا أن هذا أخذ مئة ذراع من مكان بعينه في نصيب المدعي، فيثبت بهذه البينة أن القسمة كانت بالسوية، وفي يد أحدهما زيادة، ولا يدري أن حق المدعي في أي جانب، فتجب الإعادة ليستويا، وتكون هذه الشهادة مسموعة وإن لم يشهدوا بالغصب؛ لأن مدعي الغلط في هذا الوجه يدعي بشيئين القسمة بالسوية وغصب مئة ذراع، والشهود شهدوا بأحدهما، وهو القسمة بالسوية.
وإن لم يكن للمدعي بينة على ما ادعى يحلف المدعى عليه الغلط ولا يتحالفان؛ لأن المدعي بدعوى الغلط هاهنا ادعى الغصب، والتحالف لا يجري في مثل هذا، فإن حلف المدعي قبل الغلط لم يثبت الغلط، والقسمة ماضية على حالها، وإن نكل ثبت الغلط فيها والقسمة كما في فصل البينة.
قال: وكذلك كل قسمة في غنم أو إبل أو بقر أو ثياب أو شيء من المكيل والموزون ادعى فيه أحدهم غلطاً بعد القسمة والقبض فهو على مثل ذلك، ولم يرد بهذه التسوية بين جميع هذه المسائل وبين المسألة الأولى في حق جميع الأحكام، وإنما أراد بها التسوية في حق بعض الأحكام، وهو أن لا تعاد القسمة بمجرد الدعوى.
ألا ترى أن في المكيل والموزون إذا أقام مدعي الغلط البينة على ما ادعى لا تعال القسمة بل يقسم الباقي على قدر حقهما، وفي الغنم والبقر والثياب والأشياء التي تتفاوت يجب إعادة القسمة كما في مسألة الدار، وهذا لأن قسمة الباقي على قدر حقهما في الغنم وأشباهه توجب زيادة ضرر بالمدعي عسى لجواز أن يكون ما أخذ من نصيبه غلطاً كله خياراً، وفي قسمة الثاني لا يصل إليه الجياد فيها، والقسمة نفياً للضرر عن المدعي كما في مسألة الدار.
فإن في مسألة الدار إنما لم يجب قسمة الباقي على قدر حقهما نفياً للضرر عن المدعي؛ لأنا لو قسمنا الباقي على قدر حصتهما ربما يقع له بالقسمة الثانية مئة ذراع في جانب لا يتصل بنصيبه، وكان في أصل القسمة متصلاً بنصيبه فيجب إعادة القسمة نفياً للضرر عن المدعي.
أما في المكيل والموزون متى قسمنا الباقي على مقدار حقهما لا يتضرر به المدعي، فوجب قسمة الباقي عل قدر حقوقهما، ولم يجب إعادة القسمة ثانياً لهذا.
وإذا اقتسم رجلان دارين، فأخذ أحدهما داراً والآخر داراً، ثم أدعى أحدهما لنفسه كذا وكذا ذراعاً من الدار التي في يد صاحبه فضلاً في قسمته، فإن أبا يوسف ومحمد رحمهما الله قالا: يقضى له بذلك (١٠ب٤) ولا تعاد القسمة، وليست كالدار الواحدة في قول أبي يوسف ومحمد، يريد به أن في الدار الواحدة متى ادعى أحدهما أذرعاً مسماة في نصيب صاحبه، فإنه تعاد القسمة.
وأما على قياس قول أبي حنيفة فالدعوى فاسدة سواء كان الدعوى في دار واحدة، أو في دارين، ومعنى هذه المسألة: أن أحد المتقاسمين ادعى على صاحبه أنه شرط له