للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العارية والهبة، والتمليك يختص بملك الأعيان فيلحق بها، وعن هذا قلنا: إذا قال أجرتك منافع هذه الدار شهراً بكذا، وهبت لك منافع هذه الدار شهراً بكذا، ملكتك منافع هذه الدار شهراً يجوز فيبقى لفظ البيع على القياس، وذكر شيخ الإسلام في شرح كتاب الصلح في آخر باب الصلح في العقار: إذا ادعى رجل شقصاً من دار في رجل وصالحه المدعى عليه على سكنى بيت معلوم من هذه الدار عشر سنين جاز، فلو آجره يعني هذا البيت المصالح عليه من الذي صالحه جاز عند أبي يوسف خلافا لمحمد.

وهذا بناء على أن محمداً رحمه الله يعتبر هذا العقد إجارة، وليس للمستأجر أن يؤاجر من الآجر وأبو يوسف يقول: إن المدعي مالك منفعة هذا البيت بعقد بل ترك بعض حقه وقنع بالبعض، فإنما بقيت المنفعة على أصل ملكه فيملك أن يؤاجر من كل أحد، ولو باع المدعي هذا السكنى بيعاً من رجل لم يجز.

بعض مشايخنا قالوا: إنما لم يجز بيع السكنى لترك التوقيت لا؛ لأن الإجارة لا تنعقد بلفظ البيع، وقال بعضهم: لا يجوز بيع السكنى وإن كان موقتاً، لأن الإجارة لا تنعقد بلفظ البيع. قال شيخ الإسلام: فصل بيع السكنى يشكل عندي، لأن لفظ البيع تمليك الرقبة وملك الرقبة سبب لملك المنفعة فكان ينبغي أن يجوز استعارة لفظ البيع لتمليك المنفعة به مجازاً.

قال رحمه الله: والوجه في ذلك أن المنفعة معدومة في الحال واتخاذها ليس في وسع البشر، والمعدوم لا يصلح محلاً لإضافة العقد إليه إلا أن الشرع أقام العين الموجود وهو الدار المنتفع بها مقام المنفعة في جواز إضافة الإجارة إليها.

إذا ثبت هذا فنقول: لفظ البيع إن أضيف إلى الدار فهو صالح لتمليك عينها فلا يجعل مجازاً عن غيره، وإن أضيف إلى المنفعة فالمنفعة معدومة والمعدوم لا يصلح لإضافة العقد إليه حتى لو قال لغيره: بعتك نفسي شهراً بكذا بعمل كذا فهو إجارة، لأنه لا يصلح لتمليك عين الحر فيجعل مجازاً عن تمليك المنفعة، هكذا ذكر رحمه الله وجه التخريج وإنه مشكل عندي، لأن علة عدم جواز البيع ها هنا لو كانت هي العدم ينبغي أن لا تنعقد الإجارة بلفظ الهبة والتمليك وبالإجماع تنعقد.

وذكر شمس الأئمة الحلواني في شرح الحل: أن الإجارة لا تنعقد بلفظ البيع، وذكر ثمة عن الكرخي أنه كان يقول: الإجارة لا تنعقد بلفظ البيع، ثم رجع وقال: تنعقد.

وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد: إذا قال الرجل لغيره: أعطيتك هذا العبد لخدمتك منه بكذا جاز. وفيه أيضاً عن أبي يوسف رجل دفع إلى رجل ثوباً ليبيعه على أن ما زاد على كذا فهو له، قال: هذا على جهة الإجارة، وهذه إجارة فاسدة لو ضاع الثوب من يده ضمن.

وتنعقد الإجارة بالتعاطي فيما ذكر محمد في إجارات الأصل في باب إجارة النبات إذا استأجر (١٣ب٤) قدوراً بغير أعيانها لا يجوز للتفاوت بين القدور من حيث الصغر والكبر، فإن جاء بقدور وقبلها منه على الكراء الأول جاز، ويكون هذه إجارة مبتدأة بالتعاطي.

<<  <  ج: ص:  >  >>