بشيء، وإذا تصارف الآجر والمستأجر بالأجرة فأخد بالدراهم دنانير، فإن كان ذلك بعد استيفاء المنفعة أو كانا شرطا التعجيل في الأجرة حتى وجبت الأجرة جازت المصارفة إجماعاً، وإن كان قبل استيفاء المنفعة ولم يشترطا التعجيل فالمسألة على الخلاف، على قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد يجوز، وعلى قول أبي يوسف الآخر لا يجوز، وهذا إذا كانت الأجرة ديناً.
فأما إذا كانت الأجرة عيناً فإن كانت بقرة بعينها فأعطاه المستأجر مكانها دنانير لا يجوز سواء كان قبل استيفاء المنفعة أو بعدها، وسواء كان قبل اشتراط التعجيل أو بعده.
وجه قوله الأول وهو قول محمد: أن هذه مصارفة بدين واجب حالة المصارفة، وإنه ما يجوز الاستبدال به فيجوز كما بعد استيفاء المنفعة.
بيانه: أن المقصود من إضافه الشراء إلى الأجرة وقوع المقاصة من الأجرة وبدل الصرف لا الاستحقاق بعينه، ولن تثبت هذه المقاصة من الأجرة وبدل الصرف إلا بعد اشتراط التعجيل في الأجرة قبل الصرف؛ لأن المقاصة بدل الصرف بدين وجب حكماً بعد عقد الصرف لا يجوز.
ألا ترى أن من اشترى ديناراً بعشرة دراهم، ثم إن مشتري الدينار باع من بائع الدينار ثوباً بعشرة دراهم لا تقع المقاصة بين ثمن الثوب وبين بدل الدينار تقاصا أو لم يتقاصا، لأنه دين وجب بعد عقد الصرف، وإذا كان هكذا اقتضت هذه الإضافة اشتراط التعجيل قبل عقد الصرف، فكأنهما اشتراطا التعجيل قبل الصرف ثم تصارفا بخلاف ما إذا كانت الأجرة عيناً؛ لأن أكثر ما في أن يثبت اشتراط التعجيل هناك مقتضى عقد الصرف مع هذا لا تجوز المصارفة؛ لأن الأجرة إذا كانت عيناً كانت مبيعاً، فيصير المستأجر بهذه المقاصة مستبدلاً بالبيع قبل القبض، وإنه لا يجوز، أما إذا كانت الأجرة دنياً في الذمة فالاستبدال به قبل القبض جائز.
وجه قول أبي يوسف الآخر: أن هذه مصارفة بدين غير واجب حالة المصارفة؛ لأن الأجرة غير واجبة قبل استيفاء المنفعة وقبل اشتراط التعجيل، وأما ما قال محمد: بأن هذه الإضافة تضمنت اشتراط التعجيل، قلنا: غير المنصوص إنما يجعل منصوصاً لتصحيح أصل لا لإبقاء التصرف على الصحة وهذا لأن لا لإيفاء التصرف على الصحة؛ وهذا لأن جعل غير المنصوص منصوصاً خلاف الحقيقة، وخلاف الحقيقة لا يصار إليه إلا في وضع ورود الاستعمال، والاستعمال ورد في تصحيح أصل التصرف لا في إيفاء التصرف على الصحة.
والفقه في ذلك: أن البقاء بيع الأصل والمقتضي يثبت بيعاً فلو أثبت المقتضى لإبقاء العقد على الصحة فقد جعلنا البيع وهو البقاء أصلاً وإنه لا يجوز، إذا قلت هذا فقول المصارفة بالإجارة صحيحة من غير اشتراط التعجيل، وإن لم تكن الأجرة واجبة إذا نفذ ما شرط من الأجرة، وإذا لم ينفذ يبطل العقد بعد الصحة، فلو أثبتنا اشتراط التعجيل، فإنما نثبته بمقتضى بقاء التصرف على الصحة لا يقتضي تصحيح أصل الصرف، وإنه لا يجوز.