للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما في نحت الطبل والطنبور جهة المعصية ليست بمتعينة؛ لأنها كما للمعصية تصلح لغير المعصية بأن يجعل وعاء للأشياء.

ولو استأجر الذمي مسلماً ليبني له بيعة أو كنيسة جاز، ويطيب له الأجر.

وكذلك لو أن امرأة استكتبته كتاباً، إلى حبها جاز ويطيب له الأجر؛ لأنه بدل عمله، وقال أبو حنيفة: لا تجوز الإجارة على شيء من اللهو والمزامير والطبل وغيره؛ لأنها معصية والإجارة على المعصية باطلة؛ ولأن الأجير مع المستأجر يشتركان في منفعة ذلك فتكون هذه الإجارة واقعة على عمل هو فيه شريك، قال: وإن أعطي المستأجر شيئاً من اللهو ليلهو به فضاع أو انكسر فلا ضمان عليه؛ لأن الإجارة لما لم تنعقد بقي مجرد الإذن، كما في استئجار النخيل وإذا بقي الأخذ بإذن المالك فمتى ضاع أو انكسر لا يكون عليه شيء، كما لو أذن ولم يؤاجر.

قال: وإذا استأجر الذمي من المسلم بيعة يصلَي فيها فإن ذلك لا يجوز؛ لأنه استأجرها ليصلي فيها وصلاة الذميّ معصية عندنا وطاعة في زعمه، وأي ذلك ما اعتبرنا كانت الإجارة باطلة؛ لأن الإجارة على ما هو طاعة ومعصية لا يجوز، وكذلك المسلم إذا استأجر من المسلم بيتاً ليجعلها مسجداً يصلي فيها المكتوبة أو النافلة، فإن الإجارة لا تجوز في قول علمائنا، وعند الشافعي تجوز وهذا لأنها وقعت على ما هو طاعة، فإن تسليم الدار ليصلي فيها طاعة ومن مذهبنا أن الإجارة على ما هو طاعة لا تجوز، وعنده تجوز.

وكان هذا بمنزلة ما لو استأجر رجلاً للآذان أو الإمامة لا يجوز عندنا؛ لأنه طاعة، وعند الشافعي يجوز فكذلك هذا وكذلك الذمي إذا استأجر رجلاً من أهل الذمة ليصلي بهم فإن ذلك لا يجوز لأن هذه معصية عندنا وطاعة في دينهم وأيّ ذلك ما اعتبرنا لا تجوز هذه الإجارة.

قال: وإذا استأجر رجل من أهل الذمة مسلماً يضرب لهم الناقوس فإنه لا يجوز لما ذكرنا، وإذا استأجر مسلماً ليحمل له خمراً ولم يقل ليشرب، أو قال ليشرب جازت الإجارة في قول أبي حنيفة خلافاً لهما، وكذلك إذا استأجر الذمي بيتاً من مسلم ليبيع فيه الخمر، جازت الإجارة في قول أبي حنيفة خلافاً لهما.

والوجه لأبي حنيفة فيما إذا نص على الشرب، إن هذه إجارة وقعت لأمر مباح؛ لأنها وقعت على حمل الخمر ليشربها الذمي، أو وقعت على الدار ليبيع الذميّ وشرب الخمر مباح؛ لأن خطاب التحريم كان غير نازل في حقه.

وهذا بخلاف ما إذا استأجر الذمي من المسلم بيتاً يصلي فيه حيث لا يجوز؛ لأن ثمة صفة المعصية، إذا أمنت في حقه لديانته تبقى صفة الطاعة والاستئجار على الطاعة لا يجوز ومعنى صفة المعصية متى انتفت عن الشرب لديانته بقي فعلاً مباحاً في نفسه ليس بطاعة فتجوز الإجارة، وفيما إذا لم ينص على الشرب، فالوجه له أن الخمر كما يكون للشرب وإنه معصية في حق المسلم يكون للتخليل، وإنه مباح للكل فإذا لم ينص على

<<  <  ج: ص:  >  >>