أنس قال:«صليت خلف رسول الله عليه السلام وخلف أبي بكر وعمر، وكانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين» ، ولم يذكر التعوذ، حجتنا حديث أبي الدرداء، فإنه روى أنه قام ليصلي، فقال له رسول الله عليه السلام «تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن» .
والثاني: في وقته ومحله، قال علماؤنا يتعوذ بعد الثناء قبل القراءة، وقال بعض أصحاب الظواهر، يتعوذ بعد القراءة لقوله تعالى:{فإذا قرأت القرآن فاستعذ با}(النحل:٩٨) ذكر بحرف الفاء أنه للتعقيب، وإنا نقول التعوذ لدفع وسوسة الشيطان وإنما يحتاج إلى دفع الوسوسة قبل الشروع في القراءة.k
والثالث: في لفظ التعوذ، وهذا فصل لم يذكره محمد رحمه الله، وقد اختلف فيه القراء قال بعضهم أعوذ بالله العظيم السميع العليم من الشيطان الرجيم، وقال بعضهم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأنّ الله هو السميع العليم.
وعن الفقيه أبي جعفر الهندواني: أنه اختار أحد اللفظين أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم يقرأ الفاتحة، ولا يقول بعد التعوذ: إن الله هو السميع العليم؛ لأن ههنا ثناءً، ومحل الثناء قبل التعوذ لا بعده، ثم إن محمداً رحمه الله قال: يتعوذ في نفسه، فهو إشارة إلى أن السنّة فيه الإخفاء، وهو المذهب عند علمائنا رحمهم الله؛ لأنه لم ينقل عن رسول الله عليه السلام الجهر به، والذي روى عن عمر أنه جهر بالتعوذ فله تأويلان:
أحدهما: أنه وقع ذلك اتفاقاً لا قصداً.
والثاني: أن قصده كان تعليم السامعين أنه ينبغي للمصلي أن يتعوذ، وكان عطاء يقول: الاستعاذة واجبة عند قراءة القرآن في الصلاة وغيرها، وإنه مخالف لإجماع السلف والسلف كانوا مجمعين على أنه سنّة. وهذا الذي ذكرنا في الإمام والمنفرد.
وأما المقتدي هل يأتي بالتعوذ؟ على قول أبي يوسف يأتي، وعلى قول محمد لا يأتي، ولم يذكر قول أبي حنيفة، وذكر الشيخ الإمام شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده والشيخ الإمام الزاهد أبو نصر الصفار في شرح كتاب الصلاة (٥٦أ١) إن قول أبي حنيفة قبل قول محمد ... إلى «الزيادات» ، فطلبنا قول أبي حنيفة في «الزيادات» ، واستقصى في ذلك، فلم يجد قوله ثمة ولا في شيء من الكتب، فلعلّ الخلاف بين أبي يوسف ومحمد، وقد رأيت في «متفرقات الفقيه أبي جعفر رحمه الله» رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة مثل قول محمد.
ومنشأ الخلاف أن التعوذ يتبع للثناء أو يتبع للقراءة، فوقع عند أبي يوسف أنه تبع