للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النفس؛ لأنه ليس حكم المال بوجه ما، فإذا لم يكن له حكم المال لا يكون قابلاً للتمليك بوجه ما، ومتى صحت الإجارة يثبت للآجر نوع ملك من حيث المعنى على ما بينا فامتنع جواز الإجارة، ولأن المستحق في القصاص في النفس لزهاق الروح مقصوداً وتخريب البنية طريق إليه، وإزهاق الروح من صنع الله تعالى لا صنع للعبد فيه وتخريب البنية، وإن كان من صنعه فهو ليس بمستحق مقصود الرد عليه عقد الإجارة، فهو ليس من صنع العبد وما هو صنع العبد ما ورد عليه عقد الإجارة بخلاف القصاص فيما دون النفس؛ لأن المستحق هناك إبانة الجزء فيرد عليه العقد وإنه من صنيع العباد وبخلاف الذبح؛ لأنه عبارة عن قطع الحلقوم والعروق، فيرد عليه العقد، وإنه من صنيع العباد.

إذا استأجر سنوراً لأخذ الفأرة لا يجوز، ولو استأجر كلباً أو بازياً ليصيد به ذكر في أضاحي الزعفراني أنه يجوز؛ لأن الأول ليس من إجارات الناس والثاني من إجاراتهم وذكر في القدوريّ مسألة الكلب والبازي، وقال: لا يجوز؛ لأنه لا يقدر على تسليم المعقود عليه فإنه لا يمكن إجبار الكلب والبازي على الصّيد.

قال في «المنتقى» : وكذلك إذا استأجر ديكاً ليصيح لا يجوز، وذكر ثمة أصلاً فقال: كل شيء، من هذا يكون فيه من غير فعل أحد لا يستطيع الإنسان أن يضربه حتى يفعل فلا يجوز البيع فيه والإجارة.

ولو استأجر فحلاً للإنزاء فهو باطل، لقوله عليه السلام «وإن من السحت ثمن الكلب ومهر البغي وعسب التيس» والمراد به أخذ الأجرة؛ ولأن نفس الإنزاء ليس بمقصود إنما المقصود الإعلاق وليس في وسعه إبقاؤه، وعن أبي يوسف فيمن استأجر ثياباً ليبسطها في بيت ولا يجلس عليها أن الإجارة فاسدة، لأن هذه ليست بمنفعة مقصودة والإجارة جوزت بخلاف القياس لتحصيل منفعة مقصودة وكذا روي عن محمد رحمه الله فيمن استأجر دابة ليُجنيها مترين فلا أجر لها؛ لأن قود الدابة ليست بمنفعة مقصودة.

وفي «المنتقى» : إذا استأجر تيساً أو كبشاً للدلالة ليسوق لها الغنم لا يجوز وفي «القدوديّ» لو استأجر شاة ليرضع منها جدياً أو صبياً لم يجز وليس هذا كالآدمي، وإذا استأجر من آخر عبداً أو دابة وشرط على المستأجر طعام العبد أو علف الدابة لم يجز؛ لأن ما شرط يصير أجره وإنه مجهول وجهالة الأجر توجب فساد الإجارة وعلى هذا إذا استأجر عبداً كل شهر بأجر معلوم وعلفها لا تجوز؛ لأن بعض الأجر مجهول ومعنى آخر في هذه المسائل أنه شرط شرطاً لا يقتضيه العقد؛ لأن طعام عبد المستأجر وعلف الدابة المستأجرة على الآجر على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى، وفيه منفعة لأحد المتعاقدين ومثل هذا الشرط يوجب فساد الإجارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>