يوضحه: أن الإجارة وضعت للانتفاع مع بقاء العين مما يؤدي إلى فساد العين لا يكون داخلاً تحت الإجارة.
بعض مشايخنا قالوا: أراد بالرحى رحى الماء ورحى الثور لا رحى اليد، وبعض مشايخنا قالوا: يمنع عن الكل، وبعضهم قالوا: إن كان رحى اليد يضر بالبناء يمنع عنه وإلى هذا مال الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني رحمه الله وعليه الفتوى.
وأما كسر الحطب فيها فقد ذكر بعض مشايخنا أنه لا يمنع عن المعتاد؛ لأنه من جملة السكنى وبعضهم قالوا: يمنع ويؤمر بالكسر خارج الدار؛ لأنه يؤثر في البناء والبناء لا محالة فلو أنه أقعد فيه قصاراً أو حداداً أو عمل ذلك بنفسه، فانهدم شيء من البناء ضمن قيمة ذلك لأن الانهدام أثر للحدادة والقصارة لا أثر السكنى؛ لأن مجرد السكنى لا يؤثر في الانهدام فيضاف بالانهدام على الحدادة والقصارة وإنها ليست بداخله تحت العقد فيكون متعدياً فيها فيضمن ما تلف بها ولا أجر عليه فيما ضمن؛ لأن الأجر مع الضمان لا يجتمعان وإن لم يهدم شيء من البناء من عمل الحدادة والقصارة لا يجب الأجر قياساً؛ لأن عمل الحدادة والقصارة غير داخل تحت العقد صار الحال فيه بعد العقد والحال قبل العقد سواء ويجب الأجر المسمى استحساناً؛ لأن المعقود عليه السكنى.
وفي الحدادة سكنى وزيادة فقد استوفى المعقود عليه وزيادة فهو بمنزلة ما لو استأجر دابة ليحمل عليها عشرة مخاتم حنطة فحمل أحد عشر وسلمت الدابة وهناك يجب الأجر كذا ها هنا فإن اختلف الآجر والمستأجر في ذلك فقال المستأجر: استأجرت للحدادة وقال الآجر: أجرت للسكنى دون الحدادة فالقول قول الآجر، لأنه لو أنكر الإجارة أصلاً كان القول قوله، فكذا إذا أنكر الإجارة في نوع دون نوع؛ ولأن الحدادة والقصارة مما لا يستحق بمطلق العقد وإنما يستحق بالشرط والمستأجر يدعي زيادة شرط على مطلق العقد والآجر ينكر والقول قول المنكر وإن أقاما البينة فالبينة بينة المستأجر لأن المستأجر يثبت زيادة شرط.
ومما يتصل بهذه المسألة: إذا استأجر الرجل من آخر داراً على أن يقعد فيها حداداً فأراد أن يقعد فيها قصاراً له ذلك إن كانت مضرتهما واحدة أو كانت مضرة القصارة أقل وكذلك الرحى على هذا وإنما كان كذلك؛ لأنه ليس في ذلك على صاحب الدار زيادة ضرر لم يرض به.
فإن قيل: ينبغي أن لا يكون له ذلك؛ لأن هذا خلاف من حيث الجنس، فإن الحدادة مع القصارة جنسان مختلفان ولا عبرة للضرر والمنفعة حالة الخلاف في الجنس.
ألا ترى إن وكل رجلاً بأن يبيع عبده بألف درهم فباع بألف دينار لم يجز؛ لأنه خالف الجنس، والجواب عنه أن المخالفة فيما يكن فيه في الصفة لا في الجنس؛ لأن أصل المعقود عليه في الموضعين جميعاً السكنى في الدار إلا أن صفة السكنى تختلف، والمخالفة متى كانت في الصفة لا في الجنس، فالعبرة في ذلك للضرر والمنفعة وكان بمنزلة ما لو وكله بأن يبيع بألف زيوف، فباع بألف جياد جاز ذلك.