للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكما في مسألة الرحى إذا اختلفا في انقطاع الماء وجريانه فكذا ها هنا يجب أن يحكم الحال إن كان في يدها وقت المنازعة، فالقول قول رب الحلي وإن كان في يد غيرها فالقول قولها، فإن هلك الحلي كان لرب الحلي أن يصدقها ويضمنها؛ لأنه يقر بوجوب الضمان على نفسها فكان لرب الحلي أن يصدقها ويضمنها ولا أجر له كما لو ثبت الإلباس معاينة وإن كذبها فقد أبرأها من الضمان ثم يكون القول قول صاحب الحلي؛ لأن تحكيم الحال متعذر بعد الهلاك وإذا تعذر تحكيم الحال جعل القول قول رب الحلي؛ لأن المستأجر يدعي زوال التسليم بعدما وجد التسليم وصاحب الحلي ينكر فيكون القول صاحب الحلي.

نوع آخر

إذا اختلف رب الدابة والمستأجر ولم يركب بعد فقال المستأجر: أكريتني من الكوفة إلى بغداد بعشرة، وقال رب الدابة: أكريتك من الكوفة بعشرة دراهم إلى قصر والقصر هو المنتصف إن لم يقم لأحدهما بينة فإنهما يتحالفان ويترادان؛ لأنهما اختلفا في بدل عقدي تجارة حال ما يحتمل العقد الفسخ، فيتحالفان ويترادان وإن قامت لأحدهما بينة؛ فإنه يقضي بينة لأنه ادعى أمراً حادثاً وأثبته بالبينة، فإن أقاما جميعاً البينة كان أبو حنيفة يقول أولاً: يقضي إلى بغداد بخمسة عشر درهماً وهو قول زفر رحمهم الله، ثم رجع وقال: يقضي إلى بغداد بعشرة دراهم وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله.

وجه قوله الأول: لأن كل واحد منهما ادعى عقداً غير ما يدعيه صاحبه، صاحب الدابة ادعى عقداً إلى المنتصف بعشرة والآخر بخمسة فيجب القضاء بهذا العقد إلى المنتصف بعشرة ببينة صاحب الدابة، وادعى المستأجر من المنتصف إلى بغداد عقداً بخمسة أنكرها رب الدار وأثبتها بالبينة فلا بد من القضاء بها فيجب القضاء بعقدين من هذا الوجه.

ووجه قول الآخر: وهو أنهما اتفقا على أنه ما جرى ما بينهما إلا عقد واحد وقد أمكن القضاء على وفق ما اتفقا عليه بأن لا تقبل بينة رب الدابة، لأنها قامت على إثبات العشرة وإنها ثابتة له بإقرار المستأجر وإذا أمكن رد بينته بقيت بينة المستأجر لا غير، وقد أثبت الإجارة إلى بغداد بعشرة دارهم فيقضى بذلك كما لو تفرد المستأجر بإقامة البينة لا غير.

ونظير هذا ما قالوا جميعاً في بيع العين: إذا ادعى البائع أنه باع منه هذا العبد بألف وادعى المشتري أنه اشترى هذا العبد وهذه الجارية بألف درهم وأقاما جميعاً البينة يقضى بعقد واحد ببينة المشتري؛ لأنهما اتفقا على أنه ما جرى بينهما إلا عقد واحد وقد أمكن القضاء بعقد واحد بأن لا تقبل بينة البائع؛ لأنها قامت على إثبات الألف وهو ثابت له بإقرار المشتري والمشتري ادعى زيادة في المعقود عليه لم يثبت له بإقرار البائع وأثبتها بالبينة فوجب القضاء بعقد واحد فكذلك ها هنا ثم أبو يوسف لا يحتاج إلى الفرق بين هذا وبين (٤٤ب٤) السلم؛ لأن المذهب عنده أنه يقضى بعقد واحد ما أمكن وقد أمكن

<<  <  ج: ص:  >  >>