للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأنه قال: عربي أو عجمي، وإن نسبه إلى بلده ولم ينسبه إلى جده ولا إلى قبيلته، فقال: كوفي أو مصري، فذاك لا يكفي؛ لأن الاسم يجمع الألوف ولا يحصل به التعريف، وإن نسبه إلى حرفته وصناعته ولم ينسبه إلى قبيلته، والجد لا يكفي عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن الصناعة ليست بشيء لازم، فالإنسان قد يشغل بصناعة في زمان ثم يتحول منها إلى غيرها بعد ذلك، فلا يحصل بها التعريف، وعندهما إذا كانت صناعة يعرف بها لا محالة يكفي. وإن ذكر اسم أبيه ولقبه وإنه يعرف بذلك اللقب لا محالة فإنه يكفي وبدون ذلك لا يكفي؛ لأن اللقب ليس بلازم كالصناعة، وإن ذكر اسمه واسم جده ولم يذكر اسم أبيه لا يكفي؛ لأن الإنسان إنما يتصل إلى الجد بواسطة الأب، فلا يصح النسب إلى الجد بدون النسب إلى الأب، وإن كتب من قاضي بلد كذا فلان بن فلان إلى قاضي بلد كذا فلان بن فلان فذلك يكفي بلا خلاف عند بعض مشايخنا؛ لأن كونه قاضياً من أسباب التعريف، فيستغنى به عن ذكر الجد.

وعن أبي يوسف رحمه الله آخراً أنه إذا كتب إلى قاضي بلد كذا، ولم يذكر اسمه ولا اسم أبيه فذلك يكفي؛ لأن القاضي في كل بلدة معروف فيقع الاستغناء عن ذكر الاسم والنسب. وزاد في «المنتقى» في هذه الرواية فقال: إذا كان تاريخ الكتاب نفذه إلى المكتوب إليه.

ولو كتب من فلان بن فلان قاضي بلد كذا إلى كل من يصل إليه كتابي هذا من قضاة المسلمين وحكامهم، فذلك لا يجوز في قول أبي حنيفة رحمه الله، وفي قول أبي يوسف رحمه الله يجوز، والظاهر أن محمداً رحمه الله مع أبي حنيفة رحمه الله، فأبو يوسف رحمه الله توسع حين ابتلي بالقضاء، ورأى أحوال الناس، واستحسن في كثير من المسائل تسهيلاً للأمر على الناس، من جملتها هذه المسألة، فإن القاضي يحتاج إلى الكتابة إلى الآفاق ولا يمكنه معرفة اسم قاضي الآفاق ونسبه لبعد المسافة، فلو شرطنا ذلك ضاق الأمر على الناس. ألا ترى أنه لو كتب إلى فلان بن فلان وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين وحكامهم، فكل من يصل إليه من قضاة المسلمين يعمل به، وإن لم يكتب اسمه ونسبه كذا هنا.

وأبو حنيفة رحمه الله أخذ بالاحتياط، فإن إعلام الكاتب والمكتوب إليه شرط لصحة الكتاب بالاتفاق وتمام الإعلام لا يحصل بهذا القدر، فلا يصح الكتاب، بخلاف ما إذا عين قاضياً وعرفه، ثم كتب: وإلى كل من يصل إليه كتابي هذا من قضاة المسلمين؛ لأنه لما عرف الأول صحت كتابة القاضي إليه، فيجعل المضموم إليه تبعاً له فيجوز، ويجوز أن يصح الشيء تبعاً وإن كان لا يصح مقصوداً.

وإن كتب أن لفلان على فلان السندي غلام فلان بن فلان الفلاني كذا جاز؛ لأن تعريف المملوك بالنسبة إلى المالك، فإذا نسبه إلى مالك معروف بالشهرة أو ذكر اسم المولى ونسبه إلى أبيه وجده وإلى قبيلته، فقد تم تعريفه بذلك، وإن ذكر اسم العبد واسم المولى، ولم يذكر اسم جد المولى ولا قبيلته. ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله أن

<<  <  ج: ص:  >  >>