عليه وباقي المسألة بحاله لم يكن للبائع أن يلزم المشتري بلا خلاف؛ لأنه حين نوى الفسخ فقد رضي بالفسخ، والعقد متى انفسخ بالتراضي لا يعود أصلاً، فقد أثبت الفسخ من جهة البائع بمجرد النية.
وذكر في «الجامع الصغير» : في مشتري الجارية: إذا جحد الشري، وعزم البائع على الفسخ، وهذا مشكل؛ لأن فسخ شيء من العقود لا يقع بمجرد النية، ألا ترى أنه لو كان في البيع خيار شرط أو خيار رؤية، ونوى بقلبه فسخ العقد لا ينفسخ بمجرد نيته، من مشايخنا من قال: لم يرد محمد نوى الفسخ أن يقصد بقلبه الفسخ، وإنما أراد به أن يظهر منه أمارات الرضى بالفسخ بأن عرض الجارية على البيع أو وطئها بعد ما استردها من يد المستحق بإقامة البينة على نحو ما بينا، ولكن هذا بعيد فإنه وضع المسألة فيما إذا أقر البائع أنه نوى الفسخ حين رجع المشتري عليه بالثمن والعرض على البيع والوطء، لا يتصور في تلك الحالة؛ لأن في تلك الحالة الجارية ملك المستحق وفي يديه.
ومنهم من قال: تأويله أن البائع حين رد الثمن على المشتري نوى فسخ العقد، وفي مسألة «الجامع الصغير» : عزم على ترك الخصومة بالوطء، فيكون الفسخ بفعل اقترن به النية لا بمجرد النية، وقوله في «الكتاب» : نوى الفسخ حين رجع عليه المشتري أراد به رجوعاً اتصل به الرد. ومنهم من قال الفسخ هنا وقع بقضاء القاضي، إلا أن للبائع أن يبين بالبينة أن الفسخ لم يقع عند محمد وأبي يوسف الأول على نحو ما بينا، وهذا حق له فله تركه وله استيفاؤه فإذا عزم على الفسخ فقد ترك هذا الحق، فعملت بينته في هذا.
أما الفسخ بقضاء القاضي رجل اشترى من آخر عبداً بمائة دينار وقبضه وباعه من آخره وقبضة المشتري الثاني، ثم (١٠٩أ٤) استحقها رجل على المشتري الثاني، فأقام المشتري بينة على المستحق أنه كان باعه من البائع الأول بكذا وسلمه إليه، قبلت بينته في ظاهر الرواية، لأن بالاستحقاق لا تفسخ العقود، فبقيت العقود موقوفة، فيحتاج المشتري الأخير إلى تقرير الملك للبائع الأول والثاني ليتقرر ملكه، فينتصب خصماً فيه، فهذه بينة قامت من خصم على خصم، وليس فيه تغيير القضاء الأول، بل فيه تقرير له وقد أقامها لا على الوجه الذي استحق عليه، فقبلت بينته، وقضى بالغلام له بهذا، فإن لم يقم المشتري بينة علىه ولكن خاصم بائعة، وهو المشتري الأول في الثمن وقضى عليه بذلك ثم إن المشتري الأول أقام بينة على أن المستحق باعه من البائع الأول، وسلمه إليه قبل أن يبيعه منه، وأخذ الغلام منه، هل له أن يلزم المشتري الثاني؟ على قول محمد وأبي يوسف الأول له ذلك، فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر (له) ذلك لما ذكرنا، فإن لم يجد المشتري الأول بينة على ذلك، ورجع على البائع الأول بالثمن وقضي له به عليه، فأقام البائع الأول بينة على المستحق على ما ذكرنا، ويأخذ العبد من المستحق كان له أن يلزم المشتري الثاني عند محمد وأبي يوسف الأول لما مر.H
وهل للمشتري الأول أن يلزم المشتري الثاني؟ لما رجع على المشتري الأول فقد رضى بانفساخ العقد بينه وبين المشتري الأول، فانفسخ العقد في حقه، لكن لم يظهر الانفساخ في حق المشتري الأول