كيلا يلزمه إعادة البينة، فكأن صاحب اليد لم يقر بذلك، ولو لم يقر كان المدعى عليه ذو اليد، لأن البينة قامت عليه وهو لم يكن وكيلاً عن المقر له، فأما إذا قال أنا أعيد البينة، فقد رضي ببطلان ما أقام من البينة على ذي اليد، فنفذ إقرار ذي اليد في حق المدعي، فصار المقضي عليه في هذه الصورة المقر له، فلو أن القاضي لم يقض بالعبد للمدعي على الذي حضر حتى أقام للذي حضر بينته ويطلب بينته ويطلب بينة مدعي الشراء؛ لأن ببينته بين أن المدعي أقام البينة على غير الخصم، وهذه البينة من رب العبد ما قبلت لإثبات الملك لرب العبد؛ لأن العبد في يده والملك ثابت له بظاهر اليد، فلا حاجة له إلى البينة لإثبات الملك لنفسه في العبد، وإنما قبل لإبطال بينة المدعي، فإن رب العبد بما أقام من البينة أثبت أن المدعي أقام البينة على غير خصم، والبينة من صاحب اليد على إبطال بينة المدعي مقبولة، كما لو أقام البينة أن شهود المدعي كفار أو عبيد أو محدودون في قذف، فإن أقام رب العبد بينة على ما قلنا، ثم أعاد مدعي الشراء البينة على رب العبد أن العبد كان للذي في يديه، وأنه اشتراه منه بألف درهم، ونقده الثمن، فهذا على وجهين.
إما أن أعاد البينة على رب العبد بعدما قضى القاضي لرب العبد ببنيته وفي هذا الوجه لا تقبل بينته؛ لأن مدعي الشراء صار مقضياً عليه من جهة رب العبد؛ لأن رب العبد إنما أقام البينة على مدعي الشراء، والمقضي عليه إذا أقام البينة في عين ما قضى عليه لا تقبل بينته إلا أن يدعي تلقي الملك من جهة المقضي له، ولم يوجد كذا ههنا. وإن كان قبل القضاء تقبل بينة مدعي الشراء متى أعادها على المقر له، ثم هنا ثلاث مسائل.
أحدها: ما ذكرنا أن مدعي الشراء أقام شاهدين فقبل القضاء له أقر صاحب اليد بالعبد لإنسان، وصدقه المقر له.
المسألة الثانية: إذا أقام المدعي شاهداً واحداً على الشراء من ذي اليد، وأقر ذو اليد بالعبد لفلان الغائب، ثم حضر فلان وصدق المقر في إقراره، فإنه يؤمر بدفع العبد إلى المقر له لما مر في المسألة الأولى، فإن أقام مدعي الشراء شاهداً آخر على الشراء قضى بالعبد له، ولا يكلفه القاضي إعادة الشاهد الأول على المقر له لما قلنا في الشاهدين في المسألة الأولى، ويكون المقضي عليه ذو اليد دون المقر له؛ لأن الشاهد الأول قام على ذي اليد، والشاهد الثاني قام على المقر له، وأمكن جعل المقر له تابعاً لذي اليد؛ لأنه رضي بتفويض الخصومة إليه، فجعل الشاهد القائم على المقر له قائماً على ذي اليد كالقائم على المقر له؛ لأن المقر له لم يرض بكون ذي اليد نائباً عنه في الخصومة، فلهذا جعلنا المقضي عليه ذو اليد دون المقر له، وما ذكر محمد رحمه الله في «الكتاب» أن القاضي يقضي بشهادة شاهدين على رب العبد أراد بذلك القضاء في حق الأخذ والانتزاع من يده، لا في حق القضاء بالملك، بدليل أنه ذكر أن المقر له لو أقام بينة أن العبد عبده قبلت بينته، ولو صار مقضياً عليه لما قبلت بينته.