في يد إنسان ملكاً مطلقاً، وصاحب اليد يدعي النتاج، فلم يجد بينة على النتاج، حتى قضى القاضي بالدابة للمستحق، ثم وجد صاحب اليد بينة على النتاج، وأقامها قبل بينته وقضى بالدابة له، وإن صار ذو اليد مقضياً عليه؛ لأنه صار مقضياً عليه بالملك لا بالنتاج، فقبلت بينته على النتاج لهذا.
ثم إن محمداً رحمه الله شرط حضرة المستحق لقبول هذه البينة من البائع.
وبعض مشايخنا أبو ذلك، وقالوا: ينبغي أن لا يشترط حضرة المستحق، وهكذا حكى شمس الأئمة السرخسي رحمه الله نوعان وهذا لأن هذه البينة من البائع لدفع استحقاق المشتري الثمن عن نفسه، وهذا معنى يخص المشتري، فلا حاجة إلى إشراط حضرة المستحق، وبعض مشايخنا قالوا: لا بل حضرة المستحق شرط، كما أشار محمد رحمه الله؛ لأن هذه البينة تتعدى إلى المستحق، فإن هذه البينة متى قبلت بأخذ المشتري العبد من المستحق، فلا بد من حضرته وقيل على قياس قول محمد وأبي يوسف الآخر: حضرة المستحق شرط، وعلى قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف الأول رحمهما الله: لا يشترط حضرته، وهذا القول أشبه وأظهر.
ووجه ذلك أن قضاء القاضي بالعبد للمستحق في هذه الصورة نفذ ظاهراً لا باطناً، وانفسخ العقد ظاهراً لا باطناً، فكان للمشتري أن يأخذ العبد من المستحق، فهذه البينة تتعدى إلى المستحق، فيشترط حضرته، فأما على قول أبي حنيفة وأبي يوسف الأول فقضاء القاضي نفذ ظاهراً وباطناً وانفسخ العقد ظاهراً وباطناً، فلا يتمكن المشتري من أخذ العبد من المستحق، فهذه البينة لا تتعدى إلى المستحق، فلا يشترط حضرته.
قال في الزيادات: وإذا اشترى الرجل من أخر جارية، ولم يقبضها حتى استحقها رجل بالبينة، فالقاضي لا يسمع بينة المستحق، ولا يقضي له بالجارية، ما لم يحضر البائع المشتري، وقد مرت هذه المسألة في الفصل المتقدم.
ولو كان الاستحقاق (١١١أ٤) بعد القبض لا يشترط حضرة البائع، وفي دعوى المستأجر يشترط حضرة الآجر والمستأجر؛ لأن الملك للآجر، واليد للمستأجر، وكذلك في دعوى الرهن يشترط حضرة الراهن والمرتهن؛ لأن الملك للراهن واليد للمرتهن، وإذا أراد الشفيع الأخذ بالشفعة، وكان ذلك قبل قبض المشتري المشترى يشترط حضرة البائع والمشتري للقضاء بالشفعة؛ لأن الملك للمشتري واليد للبائع، وإذا استحق المستعار رجل بالبينة يشترط للقضاء له حضرة المعير والمستعير جميعاً.
وفي دعوى الضياع هل يشترط حضرة الزارعين؟ اختلف المشايخ فيه.
بعضهم شرطوا وبعضهم لم يشترطوا، وبعضهم قالوا: إن كان البذر من قبلهم يشترط حضرتهم؛ لأنهم مستأجرون للأراضي، وإن كان البذر من قبل رب الأرض لا يشترط حضرتهم؛ لأنهم أجروا رب الأرض، وكذلك اختلف المشايخ في اشتراط حضرة غلة (داد در) دعوى بقمحها.