وفيما إذا وقع الدعوى على مريض أو امرأة مخدرة، فقد ذكرنا قبل هذا أن القاضي يبعث أميناً من أمنائه مع شاهدين، يشهدان على إقرارهما ونكولهما، فإذا أقرا أو نكلا أمرهما الأمين أن يوكلا وكيلاً، ويكون توكيلهما بمحضر من الأمين بمنزلة توكيلهما بمحضر من القاضي، فتنقطع الشبهة والتهمة على أن ثمة ضرورة، وهو إيفاء الستر على المرأة، وصيانة المريض عن ضرر زائد يلحقه بسبب الحضور بمجلس الحكم، ولا ضرورة في الصبي، حتى لو انعدمت الضرورة ثمة أيضاً بأن كانت بزرة تخالط الرجال، ولا يلحق المريض ضرر زائد بالحضور مجلس الحكم، يشترط إحضارهما أيضاً.
وفي «المأذون الكبير:» العبد المأذون إذا لحقه دين التجارة، وطلب الغرماء من القاضي بيع العبد، فالقاضي لا يبيع العبد إلا بحضرة المولى، فرق بين رقبة العبد وبين كسبه، فإن كسب العبد يباع وإن لم يكن المولى حاضراً، والفرق أن الخصم في رقبة العبد المأذون المولى دون العبد، ألا ترى أنه لو ادعى إنسان حقاً في رقبة العبد كان الخصم هو المولى، فيشترط حضرة المولى أو حضرة نائبه لبيع العبد لهذا، فأما الخصم في كسب العبد هو العبد دون المولى، ألا ترى أنه لو ادعى إنسان في كسبه حقاً كان الخصم في ذلك هو العبد، ولما كان الخصم في أكساب العبد هو العبد يشترط حضرة العبد.
وفيه أيضاً: إذا شهد شاهدان على العبد المأذون بغصب اغتصبه أو بوديعة استهلكها أو جحدها، أو شهدوا عليه ببيع أو شراء أو بإجارة، وأنكر العبد ذلك ومولاه غائب قبلت شهادتهما، ولا يشترط حضور المولى؛ لأنهم شهدوا على المأذون بضمان التجارة، لأن ما يجب بالأسباب التي شهد بها الشهود ضمان التجارة، والخصم في ضمان التجارة المأذون.
ولو كان مكان العبد المأذون عبد محجور عليه إذا شهد عليه شاهدان باستهلاك مال أو غصب اغتصبه، وجحد العبد ذلك لا تقبل هذه الشهادة، إلا بحضرة المولى؛ لأن العبد المحجور فيما يدعى عليه من استهلاك المال ليس بخصم، وقول محمد في هذه المسألة: إن الشهادة لا تقبل.
معناه: أنها لا تقبل على المولى، حتى لا يخاطب المولى ببيع العبد، أما تقبل الشهادة على العبد، ويقضي القاضي عليه حتى يؤاخذ به بعد العتق، هكذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في «شرح المأذون» ، وهذا لأن المدعي ادعى على العبد الاستهلاك ووجوب الدين في ذمته، وادعى على المولى بيع العبد بالدين، فلئن تعذر القضاء على المولى لغيبته أمكن القضاء على العبد، فيقضي القاضي على العبد، حتى إذا عتق يؤاخذ به.
وإن كان المولى حاضراً مع العبد فإن كان المدعي ادعى استهلاك الوديعة أو استهلاك بضاعة على العبد المحجور، وعلى قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله القاضي لا يسمع هذه البينة على المولى؛ لأن المدعي لا يدعى شيئاً على المولى في هذه