للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تخلو عن إتيان ما هو مأذون به في الشرع، فيعتبر في ذلك الغالب يريد به في حق الصغائر، فإن كان غالب حاله أن يأتي بما هو مأذون به في الشرع، ويحترز عما لا يحل به في الشرع من الصغائر، كان جائز الشهادة بعد أن يحترز عن كل الكبائر، وإن كان غالب حاله لا يحترز عن الصغائر لا يكون جائز الشهادة، وإن كان يأتي بالمأذون به شرعاً.

ثم اختلفوا في تفسير الكبائر، قال بعضهم: هي السبع التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المعروف، وهو الإشراك بالله تعالى، والفرار من الزحف، وعقوق الوالدين، وقتل النفس بغير حق، ونهب المؤمن، والزنا، وشرب الخمر، وهو قول أهل الحجاز وأهل الحديث، وزاد بعضهم على السبع التي ذكرها: أكل الربا، وأكل مال اليتيم بغير حق، وقال بعضهم: ما فيه حد أو قتل فهو كبيرة، وقال بعضهم: ما كان حراماً لعينه فهو كبيرة، وما كان حراماً لغيره فهو صغيرة.

وأصح ما قيل في هذا الباب: ما نقل عن الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني رحمه الله أنه قال: ما كان شنيعاً بين المسلمين وفيه هتك حرمة الله تعالى والدين، فهو من جملة الكبائر، وكذلك الإعانة على المعاصي والفجور والحث عليها من جملة الكبائر يوجب سقوط العدالة، وإذا كان حدّ الكبائر هذه الأشياء كان ما عداها من جملة الصغائر.

قال الخصاف في «أدب القاضي» : إذا تَرك الرجل الصلاة بالجماعة استخفافاً بذلك أو مجانة أو فسقاً لا تجوز شهادته، لم يرد بهذا الاستخفاف بالدين؛ لأن المستخف بالدين كافر، بل أراد به أن لا يستعظم تفويت الجماعة كما يفعله العوام، وإنما تسقط به العدالة؛ لأن الصلاة بالجماعة ألحقت بالفرائض، ولهذا لو ترك أهل بلدة الصلاة بجماعة قوتلوا عليهم بالسلاح، كما لو تركوا فرضاً من الفرائض، وقد صح أن رجلاً سأل ابن عباس عن رجل يصوم النهار ويقوم بالليل ولا يحضر الجماعات، فقال ابن عباس: هو في النار، فاختلف إليه ذلك الرجل شهراً، وكان سأله، فكان يقول: هو في النار.

وقال مكحول رحمه الله: السنة سنتان: سنة أخذها هدي وتركها لا بأس به، وسنة أخذها هدي وتركها ضلالة، وذكر من جملتها الصلاة بجماعة، فثبت أنها ملحقة بالفرائض، وتارك الفرض فاسق، فكذا هذا، هذا إذا تركها استخفافاً أو مجانة أو فسقاً، وإن تركها متأوّلاً بأن كان الإمام فاسقاً، فكره الاقتداء به، ولا يمكنه أن يصرفه، فصلى في بيته وحده، أو كان ممن يضلل الإمام، ولا يرى الاقتداء به جائزاً، فهذا مما لا يسقط العدالة، أما الأول: فلا شك، وأما الثاني: فلأنه صاحب هوى، وشهادة أهل الأهواء مقبولة على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى.

وكذلك شهادة تارك الصلوات في أوقاتها لا تقبل؛ لأن أداء الصّلاة في الوقت أداء الأمانة في وقتها؛ لأن الصلاة أمانة وأداء الأمانة (١١٩ب٤) في وقتها لازم، ولأن أداء الصّلاة في الوقت عهد له عِندَ اللهِ تعالى، قال صَلى الله عليه وسلم «من حافظ الصلوات

<<  <  ج: ص:  >  >>