وأمّا شهادة عمال السلطان، فهي مسألة «الجامع الصغير» ، وقد ذكر أنها جائزة، من العلماء من قال: أراد به الأُجراء؛ لأنه لا يختار للإمارة إلا عدل، وشهادة العدل مقبولة، ولأن نفس العمل ليس بجرح، إنما الجرح هو الظلم، فإن العامل إذا كان عدلاً يستحق به ثواباً عظيماً، على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«سبعة يظلهم الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله» ، وذكر فيه إماماً مقسطاً، وألا ترى أن الكبراء من الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم كانوا عمالاً، ولو كان نفس العمل جرحاً لتنزهوا عن ذلك.
ومنهم من قال: أراد به أعمال الصدقة، وتقبل شهادته إذا كان عدلاً لما بينا أن العمل ليس بجرح، الجرح هو الظلم أو الجور، وروي عن الحسن البصريّ أنه قال: لا تجوز شهادة العاشر؛ لأنه هو الذي يأخذ بغير حق، وزيادة على قدر الحق.
والحاصل: أن العمال إذا كانوا عدولاً ولا يأخذون من الناس بغير حق تقبل شهادتهم، وإن أخذوا بغير حق من الناس، ولم يكونوا عدولاً، فالصحيح من الجواب أنه لا تقبل شهادتهم، وإن كان قد قال بعض المشايخ بقبولها، وجه الصحيح من الجواب: ظاهر وجه من قبلها أن الفسق لا يمنع قبول الشهادة لعينه، بل لمكان تهمة الكذب، فالغالب منهم الترفع عن الكذب.
وذكر الصدر الشهيد حسام الدين في «واقعاته» : أن شهادة الرئيس والجاني في السكة أو في البلدة الذي يأخذ الدراهم في الجنايات، والصراف الذين يجمعون الدراهم إليه، ويأخذ طوعاً لا تقبل.
وتجوز شهادة شريك المفاوض لشريكه إذا لم يكن المشهود مشتركاً بينهما، كالحدود والقصاص والنكاح والوصية؛ لأنها شهادة عدل لغيره من كل وجه، وإن كان المشهود به مشتركاً بينهما لم تقبل؛ لأنه يصير شاهداً لنفسه في البعض، وشهادة الإنسان لنفسه لا تقبل، وإذا لم تقبل شهادته لنفسه في نصيبه لا تقبل لشريكه أيضاً في نصيب شريكه؛ لأن هذه شهادة واحدة، فإذا بطل بعضها بطل كلها.
وشهادة أحد شريكي العنان لشريكه تقبل فيما ليس من شركتهما، وفيما كان من شركتهما لا تقبل، ذكر المسألة على هذا الوجه في كتاب «الأقضية» ، وفي «الأصل» يقول: شهادة أحد المتفاوضين لصاحبه لا تقبل إلا في الحدود والقصاص والنكاح؛ لأن ما عدا الحدود والقصاص مشتركة بينهما، فكان شاهداً لنفسه من وجه، وشهادة الإنسان لنفسه لا تفيد، وشهادة أحد شريكي العنان لصاحبه فيما كان من تجارتهما لا تقبل، وفيما لم يكن من تجارتهما مقبولة، ولم يذكر مثل هذا التفصيل في المفاوضة؛ لأن العنان قد يكون خاصاً وقد يكون عاماً، فأما المفاوضة لا تكون إلا في جميع الأموال، وقد عرف