رحمه الله في «مختصره» أن المدعي إذا قال لا بينة لي، أو قال الشهود: ما لنا شهادة، ثم جاء المدعي بشهود، أو شهد الذين قالوا: لا شهادة لنا، أي: على أصحابنا فيه روايتان، في رواية: لا تقبل لمكان التناقض، وفي رواية: تقبل.
وعلى هذا إذا قال المدعي: كل بينة آتي بها فهم شهود زور، ثم أتى ببينة.
وعلى هذا إذا قال: ليس لي عند فلان شهادة فيما ادعى على هذا، فلما حلفه القاضي جاء بفلان شهد.
وعلى هذا الخلاف إذا قال: ما لي عند فلان وفلان شهادة على هذا ثم ادعى بعد ذلك شهادتهما.
رجل له دعوى في عبد في يدي رجل، وله على ذلك شهود، فقال واحد من الشهود عند القاضي لعبد من عبيد المدعى عليه: هذا العبد ليس هو العبد الذي لفلان فيه الدعوى، ثم المدعي ادعى ذلك العبد بعينه لنفسه، وشهد له ذلك الذي قال تلك المقالة بين يدي القاضي، فقد قيل: يجب أن لا تقبل شهادته لمكان التناقض، وقيل: يجب أن تقبل في إحدى الروايتين على ما ذكره الطحاوي؛ لأنه ليس في كلام الشاهد أكثر من أنه لا شهادة لي في هذا العبد، ومن قال: لا شهادة له في هذه الحادثة، ثم شهد بعد ذلك، ففي قبولها روايتان على ما ذكره الطحاوي، وعلى ما ذكره الخصاف تقبل على قول أبي حنيفة رحمه الله، فههنا كذلك.
وفي «فتاوى النسفي» وينبغي للشاهد أن يقول في شهادته: أين عين تلك أين يدعي است وحق ويست، حتى لا يمكن أن يلحق به، وحق وي ني، وكان الشيخ الإمام فخر الإسلام علي البزدوي يقول: إذا قال المدعي فلان جيبر ملك ينست، وحق من، لا يكتفى به، وينبغي أن يقول: وحق ينست، ويقول في قوله: وبدست فلان بنا حق است، وكذلك في نظائره، حتى لا يلتحق به كلمة النفي، قال: الاحتياط في هذا، ولكن هذا الاحتياط في موضع يطالب بالتسليم، وقد ذكرنا جنس هذا قبل هذا.
وفي «فتاوى الفقيه أبي الليث» رحمه الله: إذا ادعى على آخر أنه استهلك دواباً له عدداً معلوماً، وأقام البينة على ذلك ينبغي أن يبين الشهود الذكر والأنثى وإن لم يثبتوا ذلك، قال الفقيه أبو بكر: أخاف أن يبطل الشهادة، ولا يقضي للمدعي بشيء من دعواه، وإن بينوا الذكور والإناث جازت شهادتهم.
ولا يحتاج إلى ذكر اللون؛ لأنَّ باختلاف اللون لا تختلف المنافع، فلا يصير المشهود به مجهولاً، ولا كذلك الذكورة والأنوثة، قيل اشتراط ذكر الذكورة والأنوثة في هذه الصورة مستقيم، خصوصاً على أصل أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن القضاء بالقيمة عنده بناءٌ على القضاء بملك المستهلك، لما عرف أن حق المالك باق في العين بعد الاستهلاك على أصله، وإنما ينتقل الحق إلى القيمة بقبض القيمة أو بقضاء القاضي، وهذا القائل يقول: مع ذكر الأنوثة والذكورة لا بد من ذكر النوع بأن يقولوا فرس أو حمار ونحوه، ولا يكتفى بذكر اسم الدابة؛ لأنها مجهول النوع، ولا يحتاج إلى ذكر اللّون كما في الوكالة، ومن المشايخ من أبى ذكر الذكورة والأنوثة، وقال: المقصود من دعوى الدابة المستهلكة القيمة والمدعي والشهود لا يستغنون عن بيان القيمة، والشهادة على القيمة