مذهبه لا يجوز إلا بعذره، وجعل الحبس في السجن الوالي عذراً كالمرض حتى قال بجواز التوكيل من غير رضى الخصم إذا كان المطلوب محبوساً في سجن الوالي كما قال بجوازه إذا كان المطلوب مريضاً، وقيل: ينبغي أن لا يجوز ويستدل هذا القائل بما ذكر محمد رحمه الله في كفالة «الأصل» : إذا كان المكفول بالنفس محبوساً بالدين في سجن هذا القاضي الذي تخاصما إليه، لا يؤاخذ الكفيل به، وإن كان محبوساً في سجن قاض آخر في المصر الذي وقعت فيه الكفالة أو كان محبوساً في سجن والي هذا المصر، فالقياس أن يؤاخذ الكفيل بتسليم النفس؛ لأن المكفول بالنفس ليس في يد هذا القاضي لا حقيقة، وهذا ظاهر ولا حكماً لأن سجن الوالي وسجن قاض آخر ليس في يد هذا القاضي حتى يجعل من في السجن كأنه في يده، فيطالب الكفيل بالتسليم إذا كان قادراً عليه وهو قادر على تسليمه بأن يؤدي ما عليه.
وفي الاستحسان لا يطلب الكفيل بتسليمه، لأن سجن أمير البلد وسجن قاضي آخر في هذا المنزل بمنزلة سجنه؛ لأن له ولاية على أهل المصر كلهم، إلا أنه نصب قاض آخر من جانب آخر إذا كانت البلدة عظيمة؛ لأنه ربما لا يمكنه القيام بأمور جميع أهل البلدة أو يتعذر على الناس الذهاب من جانب إلى جانب لبعد المسافة لا لقصور ولاية هذا القاضي عن بعض أهل المصر، وإذا كان كذلك صار سجن القاضي الآخر في هذا المصر وسجن الوالي بمنزلة سجن هذا القاضي أفلا ترى أن سجن الوالي جعل كسجن هذا القاضي في أن لا نطالب الكفيل بتسليم المكفول له، فكذا في حق الشهادة على الشهادة يجعل سجن الوالي كسجن هذا القاضي، ولو كان الأصل في سجن هذا القاضي، لم يجز الشهادة على الشهادة، فكذا إذا كان في سجن هذا الوالي، ثم جواز الشهادة على الشهادة استحساناً أخذ به علماؤنا رحمهم الله، والقياس يأبى جوازها؛ لأنه لا يمكن تجويزها بطريق نيابة الفروع عن الأصول؛ لأن الشهادة فرض يتأدى بالبدن وفي مثله لا تجري النيابة كما في الصوم والصلاة ولا يمكن تجويزها باعتبار أنه يقع العلم للفروع بشهادة الأصول، لأن شهادة الأصول وجدت في غير مجلس القضاء والشهادة في غير مجلس القضاء لا يفيد علماً يوجب العمل ولا يمكن تجويزها من حيث أن الفروع بشهادتهم يثبتون شهادة الأصول؛ لأن الشهادة ليست من قبيل الحقوق التي يمكن إثباتها بالشهادة عند القاضي، ألا ترى أن الشاهد إذا أنكر أن يكون له شهادة لفلان فأراد المشهود له أن يثبت ذلك بالبينة لا يقدر عليه؟ إلا أنا استحسنا وقلنا بجوازها لتعامل الناس، والناس إنما تعاملوا ذلك لإحياء الحقوق؛ لأن الأصل قد نجز عن أداء الشهادة إما بموت أو سفر، فلو لم تجز الشهادة على الشهادة لتعطلت الحقوق، وطريق الجواز أن ينقل الفرع بشهادته شهادة الأصول عند القاضي ويقطع القاضي بشهادة الأصول (١٣٣ب٤) القائمة في مجلس القاضي بنقل الفروع إياها في مجلس القاضي، ومن جملة
ما عملوا فيها بالقياس القصاص والحدود حتى قلنا: لا تجوز الشهادة على الشهادة في القصاص والحدود، قال محمد: رحمه الله والمعني فيه أن في الشهادة على الشهادة زيادة شبهة،