وإذا ادعى محدوداً في يد رجل وأحد حدوده أو جميع حدوده متصل بملك المدعي هل يحتاج إلى ذكر الفاصل؟ فقيل: لا يحتاج، ولو كان متصلاً بملك المدعى عليه يحتاج إلى ذكر الفاصل؛ لأن في الوجه الأول اختلاف اليد فاصل ولا كذلك في الوجه الثاني، وقيل: إن كان المدعى أرضاً فكذلك الجواب، وإن كان بيتاً أو داراً أو منزلاً فلا حاجة إلى الفاصل والجدار فاصل، وإذا كان المدعى أرضاً واحتيج إلى ذكر الفاصل، فذكروا الفاصل شجرة، فذلك لا يكفي هكذا حكى فتوى شمس الإسلام الأوزجندي، وهذا لأن الشجرة لا تحيط بجميع المدعى به، والفاصل يجب أن يكون محيطاً بجميع المدعى به حتى يصير المدعى به معلوماً، فإذا ادعى أرضين محدودة معلومة، ثم ترك الدعوى في أحد الأرضين، وأدعى الأرض الأخرى ولم يذكر الحدود فقد قيل: لا تصح الدعوى ولا الشهادة لمكان الجهالة.
وإذا ادعى محدود في موضع كذا وبين الحدود ولم يبين أن المحدود ما هو كرم أو أرض أو دار، هل يوجب هذا جهالة في المدعى به؟ وإذا شهد الشهود على هذا الوجه هل تقبل شهادتهم؟ حكي فتوى شمس الأئمة السرخسي: أنه لا تصح هذه الدعوى، ولا تقبل هذه الشهادة، وحكى فتوى شمس الإسلام الأوجندي: أن المدعي إذا بين المصر والمحلة والموضع والحدود يصح الدعوى، ولا يوجب ترك بيان المحدود جهالة في المدعى به، وكان الشيخ الإمام ظهير الدين المرغيناني يكتب في جواب الفتوى: لو سمع قاضي هذه الدعوى يجوز، وقيل: ذكر القرية والمصر والمحلة والسكة ليس بلازم.
وإذا ادعى ألف درهم ثمن لدار مقبوضة، ولم يذكر حدود الدار والشهود شهدوا كذلك، فالدعوى صحيحة والشهادة مقبولة، لأن الدار إذا كانت مقبوضة فلا حاجة إلى القضاء بها، فترك الحد فيها لا يضره.
وإذا قال الشهود في شهادتهم: أحد حدود هذه الأرض لزيق شط الوادي، ثم أقر المدعي أن بين شط الوادي وبين أرض المدعى طريق عامة بطلت الشهادة؛ لأنه أكذب الشهود في بعض ما شهدوا، وإنه يوجب بطلان الشهادة في الكل، وإن ظهر ذلك عند القاضي بما هو طريق حصول العلم، بطلت الشهادة في مقدار الطريق وتقبل فيما سواه، وقيل: لا تقبل الشهادة لأنه اختلف الحد، وكذلك إذا شهد الشهود أن هذه الأراضي ملك المدعي، ثم ظهر أن في الأراضي طريق العامة، إن ظهر ذلك بإقرار المدعي، لا تقبل شهادة الشهود، وإن ظهر ذلك بإخبار واحد من المسلمين لا يمنع قبول الشهادة، وإن حصل العلم للقاضي بما هو طريق حصول العلم، لا تقبل الشهادة في الطريق، وتقبل فيما سواه، وإذا كانت الدار معروفة لابد من ذكر الحدود عند الدعوى والشهادة عند أبي حنيفة رحمه الله، وقالا: إذا كانت الدار معروفة مثل دار عمرو بن الحارث بالكوفة تقبل الشهادة من غير ذكر الحدود، وتصح الدعوة أيضاً.Y