وكله بكل حق له في مصر كذا وبالخصومة فيه، فأحضر الوكيل رجلاً من أهل ذلك المصر، وادعى عليه حقاً للموكل فجحد وكالته، فأقام الوكيل بينة على أن فلاناً وكله بكل حق له في ذلك المصر وبالخصومة فيه، وقضى القاضي بوكالته، ثم عزل الموكل الوكيل، فشهد الوكيل للموكل بعد ذلك بحق أو مال على ذلك الرجل أو على غيره من أهل ذلك المصر، لم تقبل شهادته، لأنه صار خصماً للغائبين كما صار خصماً للحاضر، لأن الخصومة مع الحاضر خصومة مع الغائبين لكون الحاضر نائباً عن الغائبين.
بيانه: أن ما ادعى على الحاضر من الوكالة لا يثبت إلا بإثباتها على الغائبين؛ لأن التوكيل واحد، وقد حصل عاماً فصار المدعي على الغائبين سبباً لثبوت المدعي الحاضر فانتصب الحاضر خصماً عن الغائبين ألا ترى أن القضاء على الحاضر صار قضاء على الغائبين؟ فكذا الخصومة مع الحاضر يكون خصومة مع الغائبين فبطلت شهادته في حقهم جميعاً.
إلا أن بين المسألتين فرقاً: فإن في مسألة المصر كما لا تقبل شهادة الوكيل للموكل بحق قائم وقت الوكالة لا تقبل شهادته له بحق حدث بعد الوكالة، والقياس في مسألة المصر أن لا تقبل شهادته بحق قائم وقت التوكيل لا بحق يحدث بعد التوكيل، اعتباراً للتقييد بالمكان بالتقييد بالشخص، إلا أنهم استحسنوا في مسألة المصر لمكان العرف، فإن العرف الظاهر فيما بين الناس أن من أراد سفراً يقيم غيره مقام نفسه، بطلب كل حق له في مصر ومراده من ذلك أن يقوم مقامه فيما هو واجب له وفيما يحدث، كيلا يضيع شيء من حقوقه، فلمكان العرف صرفنا الوكالة إلى الكل.
وهو نظير من وكل إنساناً بقبض غلاته، يريد به الواجب وما يحدث كيلا يحتاج إلى تجديد الوكالة في كل زمان فلا يقع في الحرج، وإذا انصرفت الوكالة إلى الكل صار خصماً في الكل، فلا تقبل شهادته في شيء من ذلك، مثل هذا العرف لا يوجد فيما إذا كانت الوكالة بكل حق له قبل شخص بعينه، أو قبل أشخاص بأعيانهم فيعمل بظاهر اللفظ وظاهر اللفظ يتناول القائم وقت التوكيل، لا ما يحدث بعد ذلك، فلم يصر خصماً فيما حدث بعد التوكيل، فجاز أن تقبل شهادته فيه.
فرع
على مسألة المصر فقال: لو شهد بحق حدث بعد العزل قبلت شهادته، لأنه لم يصر خصماً فيه بظاهر اللفظ، لأن التوكيل لم ينصرف إليه؛ لأن انصراف التوكيل إلى الحادث بعد التوكيل بحكم العرف، ولا عرف في الحادث بعد العزل، فيعمل فيه بظاهر اللفظ، وظاهر اللفظ لا يتناول الحادث بعد التوكيل ولا الحادث بعد العزل، قال: ولو كان هذا التوكيل بعلم القاضي، لم يبطل القضاء بشهادته بعد العزل إلا فيما كان خاصم فيه بعينه قبل العزل، والفرق ما ذكرنا.
قال: والتوكيل بكل حق له قبل الناس في انصرافه إلى القائم وقت التوكيل، والحادث بعده نظير التوكيل بكل حق له في مصر كذا بل أولى، لأن هذا أعم لأن هذا يتناول جميع الناس في كل مصر.