المرأة، أما ههنا لابد من القضاء بالموت في ذلك المرض لإثبات العتق في العبد الأول لأنه معلق به، ولابد من القضاء شرط العتق ليمكن القول بنزول العتق، فصار موته من ذلك المرض مقضياً به، فلم تقبل بينة الآخر؛ لأن بعدما ثبت موته في زمان لا يتصور أن يكون حياً بعد ذلك.
ذكر في كتاب محمد رحمه الله إعمالاً لرقه.
قال محمد رحمه الله: كل مدع على صاحبه بشيء من الأشياء مما يلزمه فيه حق، وأقام البينة أنه فعل يوم كذا في موضع كذا، وأقام المدعى عليه البينة أنه كان في ذلك اليوم في موضع كذا، المكان لا يستقيم أن يكون فيه وفي الموضع الآخر في يوم واحد وليس ذلك بأمر مكشوف فالبينة بينة المدعي، ولا تقبل من المدعى عليه بينة، والأصل فيه ما ذكرنا غير مرة: أن البينات للإثبات، فمن لا يقصد بإقامة بينته إلا النفي لا تقبل منه البينة؛ لأنه أراد أن يضعها في غير ما وضعت في الشرع فلم يكن له ذلك.
قال: فمن جملة ذلك رجل أقام البينة على آخر أنه قتل أباه عمداً في ربيع الأول، وأقام المدعى عليه البينة أنهم رأوا أباههم حياً بعد ذلك الوقت، أو أنه كان حياً وأقرضه ألف درهم بعد ذلك الوقت وأنها دين عليه، أو أقام رجل على آخر البينة أنه أقرض فلاناً أباه أمس ألف درهم، وأقام الآخر بينة أن أباه مات قبل ذلك، أو أقامت امرأة رجلين أن فلاناً طلق امرأته يوم النحر بالرقة؛ وأقام فلان البينة أنه كان في ذلك اليوم حاجاً بمنى، فالبينة في جميع ذلك بينة المدعي، ولا يلتفت إلى بينة المدعى عليه؛ لأن الإثبات في بينة المدعي، والمدعى عليه لا يريد ببينته إلا نفي القتل والقرض والطلاق، والبينات لا تقبل للنفي، إنما تقبل للإثبات فلم يلتفت إلى بينته إلا أن يأبى العامة وشهد بذلك، ويكون أمراً مكشوفاً فيؤخذ بشهادتهم، لأن الخبر المتواتر موجب للعلم قطعاً، فإذا شهدوا به على التواتر لم تقبل البينة على خلافه، لأنها محتملة للكذب وقد ظهر كذبهم بخبر العامة، بخلاف ما إذا لم يشهد به العامة ولكن قامت بينة مثله على خلافه لأنها مثل الأولى، وترجحت الأولى عليه بقوة الحكم؛ لأنها مبنية وليس في هذه البينة إثبات، فلم تصلح معارضة لها فبطلت، ولكن إنما بطلت الترجيح من حيث الحكم بعد مساواتهما في شهادتهما وشهادة شاهدين لا تصلح معارضة لخبر العامة في أدائها لما فيها من احتمال الكذب، وانتفاء الاحتمال في خبر العامة فلهذا أخذ بخبرهم.
قال: ألا ترى أن العامة لو شهدت أن المدعى عليه كان معهم في الموسم، وأنه شهد معهم عرفات، لم تقبل بينة المدعية على ما ادعت من الطلاق لما ذكرنا من ظهور الكذب في البينة على ما قلنا، فإن أقامت المرأة البينة أن زوجها طلقها يوم النحر بالرقة، وأقام عبده البينة أنه أعتقه في ذلك اليوم بمنى، وجاءت البينتان جميعاً والرجل يجحد ذلك كله، فالبينتان باطلتان لتيقن القاضي بكذب أحد الفريقين، وجهالته الصادق من الكاذب منهما، وانعدام الترجيح لأحدهما على الأخرى، فإن صدق الرجل إحدى البينتين وجحد الأخرى قضى عليه بالطلاق والعتاق جميعاً أماما أقر به فلإقراره والآخر بالبينة،