ومعنى وتفرد أحدهما بزيادة مئة دينار، وليس هذا نظير البيع؛ لأن البيع يختلف باختلاف الثمن، أما حوالة الدراهم لا تختلف بحوالة الدنانير لا نفسها ولا حكمها، فكان نظير الاختلاف في الدين المطلق، وتأويل المسألة إذا كان المدعي يدعي الدراهم والدنانير جملة، أما إذا كان يدعي الدراهم وحدها لا تقبل الشهادة، لأنه يصير مكذباً الذي شهد له بالدنانير.
قال في «أدب القاضي» إذا طلب الشفيع الشفعة وأقام شاهدين، شهد أحدهما أنه اشترى بألف، وشهد الآخر أنه اشترى بألفين، والمشتري يقول: اشتريتها بثلاثة آلاف لا تقبل شهادتهما؛ لأن عقد الشراء بألف غير عقد الشراء بألفين، وكذلك لو شهد أحدهما بالشراء بألف درهم وشهد الآخر بمئة دينار لا تقبل الشهادة، وكذلك لو شهد أحدهما أنه اشترى من فلان، وشهد الآخر أنه اشترى من فلان آخر لا تقبل شهادتهما لأن الشراء من عمرو غير الشراء من زيد، وليس على كل واحد منهما إلا شاهد واحد.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد رحمهما الله: إذا شهد شاهد على رجل أنه أقر به أخذ هذا العبد من فلان، وشهد آخر أن هذا العبد لفلان لم يقض للمشهود له بشيء؛ لأنهما اختلفا.
بيانه: أن أحدهما شهد على الإقرار بالأخذ منه، وأنها شهادة على الإقرار بفعله، والآخر إنما شهد بالملك، وهو وصف في المحل وهما مختلفان، ولأن أحدهما شهد بالملك له والآخر لم يشهد بالملك له إنما شهد على أنه أخذه منه فكانت شهادة على قيام يده وأنها وصلت إليه من جهته، ولو ثبت ذلك يؤمر بالتسليم إليه من غير أن يقضى له بالملك، فلم يتفق الشاهدان لا على الملك ولا على الأخذ فلهذا لا يقضى للمشهود له بشيء.
ولو شهد أحدهما أنه أقر أنه أخذه منه، وشهد الآخر أنه أقر أنه أودعه إياه جازت شهادتهما، حتى يؤمر المدعى عليه برد العبد على المدعي؛ لأنهما أجمعا على إقراره أنه أخذه منه، لكن شهد أحدهما على إقراره بأخذ مفرد، وشهد الآخر على إقراره بالوديعة فوجب القضاء بما اتفقا عليه، وهو الأخذ من المدعي، وإذا ثبت يؤمر بالرد على المدعي ولكن لا يقضى له بالملك لعدم الحجة على الملك، وكذلك لو أن الذي شهد بالوديعة لم يشهد بالوديعة إنما شهد أنه أقر أنه دفعه إليه فلان، وفيما إذا شهد أحدهما أنه أقر أنه أخذه منه، وشهد الآخر أنه أقر أنه أودعه إياه.
نوع إشكال، لأن المشهود به في شهادة أحدهما الإقرار بالأخذ من المدعي، والمشهود به في شهادة الآخر الإقرار بالإيداع، والإقرار بالإيداع لا يكون إقراراً بالأخذ منه، ألا ترى أن من قال لغيره: أخذت منك هذا العين وديعة وقال المقر له: لا بل غصبته مني غصباً، إن القول قول المقر له، وهو ضامن للعبد إن هلك في يده؟ ولو قال: أودعتني هذا العبد، وقال المقر له: لا بل غصبته مني، فالقول قول المقر.
وما افترقا إلا باعتبار أنه في المسألة الأولى أقر بفعل نفسه، وهو الأخذ منه وادعى