قوم ورثوا داراً من أبيهم واقتسموها برضاهم فادعى بعضهم أن أباه كان تصدق بطائفة منها معلومة عليه، أو ادعى ذلك لابن له صغير وقال: مات ابني فورثتها منه، وأقام على ذلك بينة، فدعواه باطلة وبينته مردودة.
والأصل في جنس هذه المسائل: أن إقدام العاقل على عقد إقرار منه بصحة ذلك العقد؛ لأنه إنما أقدم عليه للالتزام بموجبه، وإنما يلزمه موجب العقد إذا صح العقد، فإذا ادعى فساده وبطلانه بعد ذلك، يصير متناقضاً، والمتناقض لا قول له.
إذا ثبت هذا فنقول: دعوى طائفة منها معلومة من بعض الورثة دعوى بطلان القسمة؛ لأنه ليس لهم قسمة مال الغير وقد أقر بصحتها حال ما أقدم عليها فتتحقق المناقضة، ولو كان ادعى ديناً على أبيه صح دعواه وقبلت بينته على ذلك؛ لأنه ليس بمتناقض؛ لأن القسمة مع الدين صحيحة حتى لو قضى الوارث دين الغريم من مال آخر أو أبرأ الغريم الميت عن الدين لا يحتاج إلى إعادتها ولكن يكون للغريم حق نقض القسمة إذا لم يصل إليه حقه من مال آخر.
قال في كتاب الإقرار: رجل أقر أن لفلان عليّ ألف درهم ثم قال بعد ذلك: قضيتها قبل أن أقر بها وأقام البينة على ذلك لم أقبل بينته، ولو ادعى أنه قضاه قبل الإقرار موصولاً بإقراره.
القياس: أن لا تقبل بينته؛ لأنه متناقض في الدعوى، لأن إقراره يوجب كون الألف عليه وقت الإقرار، ولولا ذلك لما صح الإقرار، فإذا ادعى القضاء قبل ذلك فإنه يوجب سقوط الدين عنه بالقضاء قبل إقراره كان متناقضاً في الدعوى، فلا يسمع ذلك منه كما لو ادعاه مفصولاً.
وفي الاستحسان: تقبل بينته لأن هذا اللفظ قد يذكر ويراد به كان له عليه ألف درهم، فإن الشيء يسمى باسم ما قد كان كما يسمى القاضي المعزول قاضياً ونظائره كثيرة، فمتى وصل هذا الكلام بإقراره، دلنا أنه أراد به هذا النوع من المجاز وإن كان هذا تغييراً لصدر الكلام ولكنه يصح إذا كان موصولاً، فأما إذا كان مفصولاً عن إقراره لا يصح هذا البيان المغير منه، فبقي التناقض باعتبار ظاهر كلامه، ولم يصح التناقض.
ولو قال: كانت له علي ألف درهم، ثم قال: قضيتها إياه قبل الإقرار موصولاً أو مفصولاً وأقام البينة عليه قبلت بينته، لأنه إخبار عن وجوب الألف عليه في زمان سابق فلا يبقى القضاء قبل الإقرار بخلاف المسألة الأولى فإنه إخبار عن وجوب الألف عليه للحال فإذا ادعى قبله كان متناقضاً فلم تسمع دعواه وبينته.
قال: رجل في يديه عبد قال لآخر: هو عبدك يا فلان، فقال فلان الآخر: بل هو عبدك، ثم قال المقر الأول: هو لي وأقام البينة لم تقبل بينته، لأن بين إقراره بملك العبد لآخر ودعواه ملكية العبد لنفسه تناقض، والتناقض يمنع صحة الدعوى، وإنما أورد هذه المسألة لإشكال وهو: أن المقر له الأول لما قال لغيره: بل هو عبدك، فقد أكذب المقر