للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: أن يذكر للصدقة والشراء تاريخاً، وإنه على وجهين: إن ذكر تاريخ الشراء قبل تاريخ الصدقة لا تقبل شهادة شهوده، لأن ادعاءه الصدقة إقرار منه بكون الدار ملك المتصدق وقت الصدقة، وإنه ينافي كون الدار ملكاً له بالشراء عندها فيصير مكذباً شهوده فلا تقبل شهادتهم، وإن ذكر تاريخ الشراء بعد تاريخ الصدقة قبلت شهادتهم، هكذا ذكر في «الأقضية» ، وهذا إشارة إلى أن احتمال (١٥٣أ٤) التوفيق يكفي. ووجه احتمال التوفيق أن يقول: جحدني بعدما تصدق بها علي فاشتريتها منه، وسيأتي الكلام بعد هذا في أن احتمال التوفيق هل يكفي؟.

الوجه الثاني: إذا لم يذكر التاريخ، وفي هذا الوجه تقبل شهادة شهوده، لأن الشراء حادث والأصل في الحوادث أن يحال بحدوثها على أقرب الأوقات، وذلك بعد تاريخ الشراء لا محالة لأنه ادعى الشراء بعد شهر أو سنة. فإن قيل: كيف تصح دعوى الشراء من فلان حال كون الدار في يد غيره وانه يدعي الملك لنفسه؟ قلنا: ذو اليد لما زعم أنه اشتراها من فلان فقد أقر بالملك لفلان، لأن كل مشتر يقر بالملك لبائعه، وبيع المغصوب منه المغصوب من غير الغصب والغاصب مقر بالملك للمغصوب منه صحيح، فقد ادعى شراء صحيحاً من هذا الوجه.

قال محمد رحمه الله: ولا أبالي، قال في الصدقة: قبضت أو لم أقبض؛ لأن ادعاءه الصدقة إنما أبطل دعوى الشراء قبل تاريخ الصدقة باعتبار إقراره بملك البائع بعد تاريخ الشراء حتى تثبت المناقضة، والإقرار بملك البائع بعد تاريخ الشراء يثبت بمجرد ادعائه الصدقة.

قال محمد رحمه الله: ولو كان ادعى الصدقة بعد تاريخ الشراء لا يرجع بالثمن على البائع، وعلل فقال: إنه هو الذي أبطل شهادة شهوده بادعائه الصدقة وأراد به أن امتناع قبول البينة على الشراء دعواه الصدقة، وإنه ليس بحجة في حق البائع فلا يمكنه الرجوع على البائع بهذه الحجة؛ لأن الرجوع على البائع باعتبار أنه لم يسلم له المشترى من جهته، وإنما لم يسلم له المشترى بما ليس بحجة في حق البائع، فلا يرجع بالثمن عليه.

قال في «الكتاب» : ألا ترى أن رجلاً لو ادعى عبداً في يدي رجل أنه له اشتراه من فلان منذ سنة، ونقده الثمن وصدقه البائع بذلك، وذو اليد زعم أنه اشتراه من فلان بعينه منذ شهر، فلما أراد الحاكم أن يقضي به للمدعي قال المدعي: إني لم اشتره في ذلك اليوم، أو قال: ذو اليد أقدم شراءً مني، ثم أراد أن يرجع بالثمن على البائع، فقال البائع: كذبت أنت أقدم شراءً منه، وإنما لم يسلم لك العبد بإكذابك بينتك، فإنه لا سبيل له على الرجوع بالثمن، لأن المبيع إنما لم يسلم للمشتري بمعنى من جهته، وهو إكذابه بينته فلا يظهر ذلك في حق البائع.

قال في «أدب القاضي» : وإذا أقام الرجل بينة على رجل أنه باع هذه الدار منه، والبائع يقول: لم أبع وأقام البائع بينة أنه قد رد عليه الدار بالعيب قبلت بينته، وينقض

<<  <  ج: ص:  >  >>